مالك الأشتر: محتال التاريخ ومبعوث الخيانة....
فتحي أبو النصر
من وحي الحلقة التاسعة من مسلسل معاوية ..
...
طبعا التاريخ مليء بالشخصيات التي تتلون كالحرباء، تتخذ من الشعارات البراقة قناعا لتغطية وجوهها الحقيقية.
ومن بين هؤلاء، يبرز مالك بن الحارث النخعي، الشهير بالأشتر، كرجل جمع بين التمرد والانتهازية، وأتقن فنون الدسيسة تحت غطاء الولاء المزيف.
والحق أقول لكم: يروج البعض لفكرة أن الأشتر ينتمي إلى قبيلة مذحج اليمنية، لكن الحقائق التاريخية تفيد بأن أجداده كانوا من بقايا جيش كسرى الذي حاول احتلال اليمن قبل ظهور الإسلام هربوا بعد فشلهم الذريع في معركة ذي قار، وعندما استوطنوا العراق، اعتنقوا الإسلام بعد أن أدركوا أن العيش في ظل المسلمين أكثر أمنا من العودة إلى بلاد فارس مطأطئي الرؤوس.
ثم بدأوا في تزوير الأنساب، مدعين انتماءهم إلى مذحج، وكأن اليمنيين كانوا بحاجة إلى محتالين جدد يسرقون هويتهم.!
كان الأشتر واحدا من أبرز اللاعبين في مسرح الفتنة الكبرى التي عصفت بالخلافة الإسلامية بعد مقتل عثمان بن عفان.
لم يكن مجرد متفرج، بل كان أحد الذين سكبوا الزيت على النار، يحرض الناس، ويؤلب الغوغاء، ويضع الأسس الأولى لاغتيال ثالث الخلفاء الراشدين، عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ومن سخرية القدر، أنه بعد أن شارك في إشعال الفتنة، وجد لنفسه مكانا دافئا في صفوف علي بن أبي طالب، مدعيا الولاء، بينما كانت تحركاته تشي بأنه لم يكن سوى خنجر مسموم مغروس في خاصرة الأمة الإسلامية العربية!!
واقولها بالفم المليان: من يدرس تحركات الأشتر، يجد أنها تتطابق مع أساليب الفرس في بث الفوضى داخل الكيان الإسلامي.
نعم ، لم يكن سوى أداة في يد القوى التي كانت تبحث عن هدم الوحدة الإسلامية العربية من الداخل، وتحويل الصراع من خلاف سياسي إلى اقتتال طائفي.
بل ولا يمكن تجاهل علاقته المريبة بعبد الله بن سبأ، الشخصية التي يقال إنها زرعت بذور الفتنة بين المسلمين، واستغلت سذاجة بعضهم لخدمة أجندات لا علاقة لها بالإسلام ولا بالعروبة.
والشاهد أنه بعد أن وجد الأشتر نفسه في قلب السلطة بفضل تملقه لعلي، منحه الأخير ولاية مصر، وكأن الفوضى التي زرعها في العراق والشام لم تكن كافية.
لكن القدر لم يمنحه فرصة بث سمومه في وادي النيل، إذ لم يكد يصل إلى القلزم حتى قضى نحبه بعد أن شرب عسلا مسموما، ليكون موته انعكاسا لحياته: دسيسة تنتهي بخيانة.
طبعا يحاول البعض رسم صورة زاهية للأشتر، باعتباره قائدا شجاعا ووليا صالحا، لكن التاريخ لا يرحم المزيفين.
فلقد كان مجرد ورقة احترقت في لعبة أكبر منه، وذهب إلى قبره دون أن يترك إرثا حقيقيا سوى الفتنة والدماء.
نعم، ربما كان يحلم بأن يُذكر كبطل، لكنه لن يكون إلا مثالا للخيانة والاحتيال والتلون، تماما كأولئك الذين ادعوا النسب العربي بينما كانوا مجرد بقايا جيوش مهزومة هربت من فارس بعد أن سقط كسرى.
على إن إن الأشتر وأمثاله يظلون دروسا للتاريخ، وشواهد على أن كل من يتآمر على وحدة المسلمين والعرب ، ولو تظاهر بالولاء والتقوى، سينتهي به المطاف في مزبلة التاريخ. وفي الحقيقة، لم يكن الأشتر سوى نموذج آخر للخائن الذي يبيع دينه ودنياه من أجل فتات سلطة زائلة، فانتهى كما بدأ: مجرد بيدق في يد القوى التي لم تكن ترى فيه إلا أداة رخيصة تُستخدم ثم تُرمى.!
ولقد كان له معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بالمرصاد.!!