الساحل التهامي: من يفرّط في الاسم يفرّط في الأرض...
في زمنٍ كثرت فيه محاولات الطمس والتزييف، لا بد من الوقوف بقوة أمام كل ما يمس جوهر الهوية، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمنطقة عريقة كـ تهامة، بتاريخها، وجغرافيتها، وإنسانها، وموقعها. ما يُسمى اليوم “الساحل الغربي” ليس مجرد مصطلح بريء، بل عنوان لحرب هوية ناعمة، يجري تمريرها باسم المصطلحات العسكرية أو السياسية. ولهذا وجب أن نكون واضحين: المسمى الصحيح هو “الساحل التهامي”، لا غير. تهامة، لمن لا يعرف أو يتجاهل، ليست مجرد ساحل. إنها إقليم متكامل يمتد من ميدي شمالاً إلى باب المندب جنوباً، ومن جزر البحر الأحمر غرباً إلى تخوم الجبال شرقاً. وتشمل في داخلها السهل والريف والجبال، في وحدة جغرافية واجتماعية وثقافية لا تقبل التجزئة أو الاختزال. فمن الخطأ الفادح بل من الجريمة الثقافية والسياسية أن يُختصر هذا الكيان العريق في شريط ساحلي يُنزع من جذوره ويُعاد تصنيفه بمصطلحات عابرة. إن الحديث عن “الساحل التهامي” ليس من باب التجديد اللغوي أو الترف الخطابي، بل من باب الضرورة السياسية والثقافية الملحة. فهذا الشريط الساحلي الحيوي، الذي بات محط أنظار القوى الإقليمية والدولية، لم يعد مجرد منطقة عبور أو رقعة جغرافية مهمشة، بل مركز استراتيجي بالغ الأهمية، عسكرياً وتجارياً وسياسياً. ولذلك، فإن تسميته باسمه الطبيعي “الساحل التهامي” هو تثبيت لهويته الحقيقية، وتحصين لحقوق أبنائه، وقطع للطريق على محاولات تهميشه أو سلخه أو تشويهه أو حتى تسليمه في المزاد الجيوسياسي. وكما نقول “السهل التهامي” و”الريف التهامي”، فإن إطلاق اسم “الساحل التهامي” هو تأكيد على وحدة الجغرافيا والانتماء. إنه ليس اجتزاء لتهامة، بل تجذير لجزء منها. أما مصطلح “الساحل الغربي” فليس سوى قناع دخيل، وواجهة لسياسات مشبوهة تسعى لسلخ الساحل عن جذوره التهامية، وتفريغه من معناه التاريخي والثقافي. الخطورة لا تكمن فقط في التسمية، بل في من يقف خلف هذه التسمية. من المؤسف أن أطرافاً محسوبة على الشرعية اليمنية التي يُفترض بها أن تحمي هوية الشعب لا أن تفرط بها هي من تروج لهذا المصطلح الغريب، وكأن الأمر صدفة بريئة. لكن المصادفة لا تفسر أن الحوثي أيضاً يكرّس استخدام “الساحل الغربي”، وكأن الجميع وإن اختلفوا في العناوين يتفقون على تهميش تهامة وتجريف هويتها. ما يحدث اليوم ليس اختلافًا في المصطلحات، بل معركة هوية حقيقية. والمطلوب ليس فقط التصحيح، بل المواجهة. مواجهة واعية وصارمة ضد كل من يحاول تقطيع تهامة وتوزيعها حسب مقاسات المشاريع الطارئة. فكما كان اسم الإقليم في مؤتمر الحوار الوطني هو “إقليم تهامة”، فإن من البداهة بل من الواجب أن يكون الاسم المعتمد لهذا الشريط الساحلي غربي اليمن هو “الساحل التهامي” أو “ساحل تهامة”، لا غير. ختامًا، نقولها بوضوح من لا يرى في “الساحل التهامي” جزءاً من تهامة، لا يرى تهامة أصلاً. ومن لا يسميه باسمه، فهو إما جاهل بحقائق الجغرافيا، أو متواطئ في مشاريع الطمس والتزييف. وهويتنا، كما أرضنا، ليست للبيع ولا للتنازل.