تأثير توقف الدعم الأمريكي للمساعدات الإنسانية في اليمن
كان لليمنيين العاملين في المنظمات الأممية والمنظمات الدولية صدمة من قرار توقف المساعدات الأمريكية لليمن والتي تمثلت بمقدار 220 مليون دولار تضمنت إغلاق الكثير من القطاعات الإنسانية أولها الأمن الغذائي والنقد (وبلغة بسيطة الإغاثة الغذائية التي تقدم للمتضررين من الحرب والإعانة المالية الشهرية أيضا) وقطاعات الصحة ممثلة بمرافق الصحة التوليدية والإنجابية أو حتى حملات اللقاحات السنوية في عموم اليمن كما أن مراكز الحماية المجتمعية ممثلة بالدعم النفسي الإجتماعي والإيواء تأثرت كثيرا كما أنها تواجه تحدي الإغلاق خلال ثلاثة أشهر حيث تعيش اليمن أزمة لا مسئولية من قبل أطراف الحرب بدءا بجماعة الحــ.ـوثي والتي تسيطر على أغلب شمال اليمن أو من مكونات الشرعية المعترف بها دوليا (التحالف الدولي ممثل بالسعودية والإمارات أو المجلس الإنتقالي و حزب الإصلاح وحراس الجمهورية )
هذه الأزمة هي الأسوأ في العالم وفق تقارير الأمم المتحدة، حيث يعاني ملايين اليمنيين من الجوع والمرض والفقر نتيجة الصراع المستمر منذ سنوات. تعتمد اليمن بشكل كبير على المساعدات الإنسانية الدولية لتلبية احتياجات سكانها. ومن بين الجهات الفاعلة الرئيسية في تقديم المساعدات الإنسانية، تبرز الولايات المتحدة التي قدمت على مدى سنوات دعماً حيوياً في شكل مساعدات غذائية وطبية وتمويل لمنظمات إنسانية.
ماهي اللغة القانونية التي أستخدمتها الإدارة الأمريكية الجديدة مع شركائها؟
على غير العادة فإن الإدارة الأمريكية الجديدة ممثلة بالرئيس #ترامب استخدمت أوامر تنفيذية (Executive
Orders) بقطع أي مساعدات أمريكية لليمن أو للمنطقة بشكل عام وهو إجراء تنفيذي بعيدا عن أي مرونة في اللغة القانونية والتي لم تستخدم من قبل حيث كان في السابق يتم تعليق الأنشطة لفترة محددة يتم فيها دراسة الأستراتيجية الجديدة ومن ثم إستئنافها مجددا وهذا الذي لم يحدث هذه المرة حيث تم التذرع بـ"المصلحة القومية الأمريكية" لتبرير قرار قطع المساعدات، مع التأكيد على أن تقديم المساعدات قد يضر بالمصالح الأمنية أو الاقتصادية أو السياسية للولايات المتحدة حيث كانت اللغة القانونية واضحة وخشنة بأن تتوقف كافة الأنشطة وإعادة التمويل دون التفكير بأي عواقب قد تحدث في المنطقة ككل.
من هي المنظمات المتضررة في اليمن وما مقدار التمويل!
- منظمة أنترسوس (INTERSOS) وهي منظمة إيطالية المنشأ، تقدر تمويلها خلال الثلاث سنوات الأخيرة ب30 مليون دولار في كافة القطاعات حيث أن المنظمة تعمل في كثير من القطاعات الإنسانية أولها (مراكز الحماية المجتمعية، ودعم مشاريع الصحة الإنجابية) تعمل هذه المنظمة منذ العام 2008 ولديها تدخلات في كثير من المناطق اليمنية أهمها (عدن، صنعاء، حجة، المحويت، الحديدة، إب، تعز والكثير من المناطق التي تعمل فيها خدمة للمجتمع المحلي.
- منظمة FHI (Family Health International) هي منظمة غير حكومية دولية تعمل في العديد من البلدان حول العالم، بما في ذلك اليمن. تهدف المنظمة إلى تحسين صحة الأفراد والمجتمعات من خلال برامج متخصصة في الصحة الإنجابية، الوقاية من الأمراض، حقوق الإنسان، التعليم الصحي، والمساعدة الإنسانية. في اليمن بلغ تمويلها 20 مليون دولار وتركز FHI على تقديم الدعم في مجالات مثل الصحة العامة، بما في ذلك صحة الأم والطفل، الوقاية من الأمراض المعدية مثل الإيدز، دعم النازحين، وتقديم خدمات التوعية والتعليم في مجالات الصحة.
- المنظمات الأممية مثل اليونيسف (UNICEF)، الصندوق الدولي للسكان (UNFPA)، والمنظمة الدولية للهجرة (IOM) تلعب دورًا مهمًا في تقديم المساعدة الإنسانية والتنموية في اليمن بسبب الأوضاع الصعبة التي يعيشها البلد جراء النزاع المستمروبلغ تمويلها حدود ال80 مليون دولار سنويا
- منظمة CARE وتعلب دور كبير في تدخلاتها الإنسانية في كثير من القطاعات مثل حماية النساء والفتيات حيث تقدم الدعم للنساء والفتيات المعرضات للعنف القائم على النوع الاجتماعي، مع توفير مساحات آمنة ودعم قانوني وطبي ودعم سبل العيش كما أن لديها تدخل كبير في قطاع التعليم في حالات الطوارئ من خلال تقديم الدعم للطلاب والمعلمين في المناطق المتضررة من النزاع، بما في ذلك توفير مواد تعليمية وبناء مدارس مؤقتة ويقدر تمويلها السنوي 40 مليون دولار لكافة القطاعات.
هذه جزء من المنظمات التي أستطعت أن تكون مصادري موثوقة وهناك الكثير من المنظمات الدولية والمحلية التي توقفت بشكل رئيسي مفاجئ في تنفيذ أي أنشطة ميدانية في كثير من القطاعات.
تداعيات أخلاقية وإنسانية
توقف الدعم الإنساني لا ينعكس فقط على الأوضاع المعيشية، بل يحمل أبعاداً أخلاقية وإنسانية. إذ يعكس هذا القرار تراجع الالتزامات الدولية تجاه الأزمة اليمنية، حيث هناك ال10 مليون فرد يعتمدون بشكل رئيسي على هذا الدعم المقدم مما قد يشجع أطراف الصراع على استمرار العنف دون رادع.
ويعتمد جزء كبير من الاقتصاد اليمني على المساعدات الخارجية، حيث تخلق فرص عمل مؤقتة وتوفر السيولة اللازمة لدعم الأسواق المحلية وتوقف المساعدات سيؤدي إلى انخفاض النشاط الاقتصادي المحلي، مما يزيد من معدلات البطالة والفقر، ويزيد من الضغط على الأسر الضعيفة.
وفي ظل غياب الدعم الإنساني، قد تتفاقم التوترات الاجتماعية والسياسية في البلاد نتيجة لتزايد معاناة السكان وفقدان الأمل في تحسين الأوضاع وقد يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار في المناطق التي تعاني أصلاً من الانقسامات والصراعات السياسية في ظل إستهتار من أطراف النزاع اليمني وهروب خارج اليمن وترك اليمني وحده من يصارع هذه التأثيرات.
ما الذي قد يحدث؟
هناك سناريوهات كثيرة للشركاء الدوليين والمحليين الحاصلين على المساعدة الأمريكية حيث سيجدون فراغًا كبيرًا في الضعف المالي من خلال تنفيذهم للأنشطة وقد يُجبر البعض إلى مرحلة الإغلاق وهذا سيتيح أمامهم فرصة التوجه نحو مانحين يعارضون السياسة الأمريكية، على سبيل المثال هناك الكثير من التوجهات الصينية في استراتيجيتها الجديدة في تقديم دعم االمساعدة الإنسانية في المناطق المتضررة من الحروب والكوارث الطبيعية كما أن وجود الدعم الخليجي ودعم الاتحاد الأوروبي سيلعب دورًا في تغيير مفاهيم الوعي المجتمعي تجاه أي خطة مستقبلية قد تقدمها أمريكا كما حدث في العراق وأفغانستان والسودان وباكستان سابقًا.
توقف الدعم الأمريكي للمساعدات الإنسانية في اليمن يمثل كارثة على جميع الأصعدة، حيث يعرض حياة ملايين الأشخاص للخطر ويهدد استقرار البلاد. من الضروري أن تعيد الولايات المتحدة والمجتمع الدولي النظر في مثل هذه القرارات، وأن تعمل بشكل جماعي لتوفير الدعم اللازم للشعب اليمني وإنهاء معاناته. الأزمة في اليمن تتطلب استجابة إنسانية عاجلة وشاملة لضمان إنقاذ الأرواح وتحقيق استقرار دائم