"العـيش المشـترك في ظل الأزمـات"

فـي ظلّ الوضع الراهن الذي يعيشه اليمن، حيث تتشابك الأزمات السياسية والاقتصادية والإنسانية، يبرز سؤالٌ ملحّ "كيف يمكن لليمنيين أن يعيشوا معًا في خضمّ هذه التحديات؟" 

     الإجابة ليست سهلة؛ لكنها ليست مستحيلة، فالتاريخ اليمني حافلٌ بقصص الصمود والتعايش، رغم كلّ ما مرّ به من نزاعات واختلافات.

     اليـوم، أكثر من أي وقت مضى، نحتاج إلى استحضار هذه الروح الجماعية لمواجهة المصير المشترك.  

     لا يخفى على أحد، أن اليمن يعاني من تدهور اقتصادي حاد، وانهيارٍ جزئي للخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، إضافة إلى النزوح الداخلي الذي فاقم معاناة الأسر؛ لكن في خضمّ هذه المعاناة، نرى أمثلةً مشرقةً للتكافل الاجتماعي، حيث يمدّ الجار يد العون لجاره، وتتحوّل المساجد والمنازل إلى مراكز إغاثة طوعية، هذه الصور تذكّرنا بأنّ الإنسان اليمني، رغم فقره وجوعه، ما زال غنيًّا بقيمه وأخلاقه.  

     لقد خلّفت سنوات الحرب شرخًا عميقًا في النسيج الاجتماعي، وزادت من حدة الانقسامات السياسية والمذهبية والمناطقية؛ لكن الحرب، رغم بشاعتها، يجب ألّا تكون هويتنا الدائمة.

     فكما تعافى اليمن من حروبٍ سابقة، يمكن له اليوم أن يبدأ مسيرة المصالحة، حتى لو كانت بطيئة، فالحوار المجتمعي، ولو على مستوى الأحياء والقرى، خطوة أولى نحو تجاوز الأحقاد، فالمستقبل لا يُبنى بالانتقام، بل بالاعتراف بالألم المشترك والسعي الجماعي للخلاص منه.  

     الأمـل الأكـبر - اليوم - معقود على الشباب اليمني؛ الذي أثبت، في أكثر من مناسبة، أنه قادر على خلق مبادرات إبداعية رغم انعدام الإمكانيات، من حملات التوعية الصحية إلى مشاريع التعليم الموازي؛ هؤلاء الشباب يبنون جسور الثقة المفقودة، فعليهم اليوم أن يرفعوا صوتهم ضد خطاب الكراهية، وأن يكونوا طليعة التغيير الإيجابي.  

     كـما لا يمكـن الحديث عن العيش المشترك، دون ذكر دور المرأة اليمنية التي تحمّلت وزر الحرب مضاعفًا؛ فهي الأم التي تسعى لإطعام أطفالها في ظلّ المجاعة، والمعلّمة التي تُدرّس في ظروفٍ لا إنسانية، والناشطة التي تدعو للسلام. empowering المرأة وإشراكها في صنع القرار المجتمعي ليس تملقًا أو ترفًا، بل ضرورة لأي مصالحة حقيقية.  

     اليـمن؛ ليس مجرد خريطة ممزقة أو ساحة حرب، بل هو شعبٌ حيٌّ يستحق الفرصة ليعيد بناء نفسه. 

     العيـش معًا يا سادة يا كرام؛ يبدأ بقبول الآخر، والتضامن في الأزمات، ورفض منطق "الكل ضد الكل". 

     قد تكـون الطريق طويلة، لكـن كلّ خطوة نحو التسامح والتعاون هي انتصار صغير على الدمـار.  

     وكما قال الشاعر اليمني الكبير عبد الله البردوني:

   "اليمن ليست وطنًا نحمله.. بل وطنٌ يحملنا."

     فلنحملها معًا، مهما اشتدّت العواصف.

أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي

مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية

عـدن: 26. مايو . 2025م.

.