"حين يخاف الرئيس من “الوحدة”.. من يحمي اليمن ؟"..

في لحظةٍ كان يُفترض أن تكون إعلان ولاء واضح للجمهورية اليمنية ومنجزها التاريخي الأكبر، الوحدة اليمنية، غابت الكلمة عن خطاب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في الذكرى السنوية للوحدة، كما لو أن التحدث عنها صار خطراً سياسياً يُخشى عواقبه. تجاهل العليمي المتعمّد لذكر “الوحدة اليمنية” لم يكن زلة لسان أو سهوة عابرة. بل جاء صمتاً محسوباً، يعكس هشاشة التوازن داخل مجلس القيادة الرئاسي، وتحديداً خضوعاً غير معلن لضغوط شريكه في المجلس، عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي لا يخفي مشروعه الانفصالي. فهل بات منطق الترضيات هو الحاكم لقرارات رأس الدولة ؟ وأي شرعية تلك التي تُبنى على التجاهل لا على المبادئ ؟ هنا تطرح المعضلة الكبرى: هل تحكم اليمن اليوم بعقلية الدولة أم بمنطق التحالفات ؟ حين يصبح ذكر “الوحدة” تهديداً لتماسك مجلس رئاسي، فهذا مؤشر خطير على أن السلطة في اليمن باتت مرتهنة لمعادلات الترضية وليس لمبادئ الجمهورية. هذا التوازن القائم على تجنب إثارة خلافات داخل المجلس يجعل من القضايا الوطنية الكبرى، كالوحدة والسيادة، ضحايا للصفقات السياسية. لم يجرؤ العليمي حتى على مخاطبة الشعب في هذه المناسبة التاريخية، ولم ينطق بكلمة كانت بالأمس القريب محل فخر رسمي وشعبي. اكتفى بتعابير ضبابية وكلمات إنشائية فارغة، وكأن الوحدة اليمنية أصبحت عاراً يتجنبه لا منجزاً تاريخياً يستحق الاعتزاز. هذا الصمت لم يكن مجرد موقف شخصي، بل مؤشر خطير على مسار تفكيك بطيء للرمزية الوطنية. فحين يخشى الرئيس من إعلان موقف وطني جامع، ويحسب كلماته خشية من إغضاب أطراف داخل السلطة، فإن ذلك يُظهر إلى أي مدى باتت القيادة مرتهنة، لا حرة في قرارها. إن صمت العليمي ليس فقط موقفاً سياسياً بل تعبير عن أزمة رمزية عميقة. فالرئيس، بصفته رأس الدولة، مطالب بإرسال رسائل واضحة في اللحظات المفصلية، لا بالاختباء خلف الكلمات المائعة. تغييبه المتعمد للحديث عن الوحدة اليمنية، التي كانت ولا تزال حجر الأساس في الجمهورية اليمنية الحديثة، يثير تساؤلات مشروعة عن عمق التزامه بالمشروع الوطني اليمني، بل وعن طبيعة الدور الذي أوكل إليه.
كيف نطالب اليمنيين بالالتفاف حول قيادة لا تملك الجرأة على تبني أبرز منجز في تاريخهم المعاصر ؟ كيف نثق في قيادة تخشى مواجهة شركائها في المجلس أكثر من خوفها من تمزق الوطن ؟ إن التجاهل المتكرر للوحدة لا يضعف فقط شرعية العليمي، بل يعمّق الفجوة بين السلطة والشعب، ويقوّض أسس أي مشروع لاستعادة الدولة من قبضة المليشيات والانفصال. منذ ذلك التصريح الصادم الذي قال فيه العليمي إنه لا يملك مكتباً رئاسياً ويعمل من “غرف مستأجرة”، بدأت ملامح الأزمة تظهر بوضوح. كيف نثق في رئيس لا يمتلك رمزية الدولة ولا الجرأة على إعلان موقف وطني صريح ؟ كيف يمكن لمن يتردد في مواجهة الصوت الانفصالي داخل مجلسه، أن يخوض معركة استعادة صنعاء من يد الحوثيين ؟ إن صمت العليمي عن ذكر “الوحدة اليمنية” ليس مجرد إخفاق بل خيانة رمزية للهوية الوطنية، وتفريط في أهم منجز تأسست عليه الجمهورية. هذا الموقف الضعيف يفضح عمق الفجوة بين القيادة والشعب، ويكرّس الانطباع بأن اليمن لا يُدار بمشروع وطني، بل بمنطق تقاسم النفوذ والترضيات. اليمن لا يحتاج إلى إدارة بيروقراطية باردة، بل إلى قيادة تستنهض الإرادة الوطنية، وتعيد الاعتبار للثوابت الجامعة. واليوم، في وجه مشاريع التفكيك والتمزيق، تصبح كلمة “الوحدة” ليست مجرد شعار، بل معياراً لقياس الولاء للجمهورية. إذا كان رئيس الدولة لا يستطيع حماية المعنى السياسي لوطنه، فمن يملك القرار ؟ وإذا كان لا يجرؤ على إعلان موقف وطني واضح، فهل ننتظر منه استعادة ما فقدناه ؟ إن أخطر ما يمكن أن يصيب وطنًا جريحًا هو قيادة بلا شجاعة. إن ما يحتاجه اليمن اليوم ليس إدارة هشّة للمشهد، بل قيادة تُعيد الاعتبار للقضايا الوطنية الكبرى، وعلى رأسها الوحدة اليمنية. فالوحدة ليست مجرد ذكرى، بل أساس للسيادة والاستقرار والمواطنة. التغافل عنها، أو تجاهلها عمداً، لا يخدم إلا مشاريع التفكيك ويضعف الروح الجمهورية التي يطمح اليمنيون لإحيائها. ما بعد الصمت، لا بد من وضوح. وعلى رئيس الجمهورية أن يكون أول من يتقدم الصفوف، لا أن يكتفي بدور إداري في مشهد تُراد له نهايات مأساوية.