الوحدة اليمنية التي قتلتها حرب 1994... والبحث عن عقد جديد

الوحدة اليمنية التي أُعلنت في 22 مايو 1990 كانت في الأصل حلماً وطنياً نبيلاً، عبّرت عنه الإرادة الشعبية في الشمال والجنوب، وراهن عليه اليمنيون كطريق للخلاص من الاستبداد والتجزئة والتبعية. لكن ذلك الحلم لم يلبث أن تحطم بعد أربع سنوات فقط، حين اندلعت حرب صيف 1994، التي حولت الوحدة من شراكة قائمة على الندية إلى واقع فرضته القوة العسكرية، وهيمنة طرف على آخر.

منذ تلك اللحظة، لم تعد "الوحدة" كما أرادها اليمنيون، بل صارت عبئاً على الجنوب، وأداة لإقصائه سياسياً واقتصادياً وثقافياً. وشيئاً فشيئاً، عاد الشعور بالتهميش ليتحول إلى نقمة، ثم إلى حركة سياسية تطالب بالانفصال واستعادة الدولة الجنوبية السابقة.

ومع أن دعوات الانفصال تنبع من مظلومية حقيقية، فإن الطريقة التي تُدار بها بعض تلك الدعوات، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، تثير كثيراً من القلق. فالممارسات الإقصائية، والتفرد بالقرار، والانجرار نحو الاستبداد المحلي، لا يمكن أن تبني دولة، ولا أن تستعيد ثقة الناس.

في المقابل، فإن الدفاع عن الوحدة بصيغتها الحالية، التي تحكمها نزعات قبلية وسلالية ومناطقية، وتُدار بعقلية الاستحواذ والإقصاء، هو دفاع عن وهم أكثر من كونه دفاعاً عن مشروع وطني.

الحل لا يكمن في التمسك العاطفي بالشعارات، ولا في المزايدة باسم "الوحدة" أو "الاستقلال"، بل في إعمال العقل، والبحث عن صيغة جديدة لعقد اجتماعي يعيد بناء الدولة على أسس الشراكة، والعدالة، والاعتراف بالتعدد، وتغليب المصلحة العامة للشعب اليمني.

إن اليمن لا يحتاج إلى مزيد من التشظي، ولا إلى مزيد من الهيمنة. بل إلى مشروع وطني جامع، يتجاوز النعرات الأنانية، ويكبح نزعات الاستحواذ، ويضع مصلحة الناس، كل الناس، في الشمال والجنوب، فوق كل اعتبار.