الشرعية اليمنية في مواجهة الحشود الح'وثية: حين يخذل الجسد اسمه
بينما تتكاثف غيوم الحرب من جديد فوق اليمن المنهك، وتتحرك القطعان الح..وثية منذ يومين نحو خطوط التماس مدججة بالسلاح والدمار، تقف الشرعية اليمنية كما لو كانت شبحا تائها، بلا قرار، بلا رد، بلا يقظة.
والشاهد أنه واقعٌ مؤلمٌ يتجاوز الإحباط، ويثير في قلب كل يمني حقيقي شعورا مرا بالغضب والحزن في آن.
فالمؤشرات العسكرية الأخيرة تنذر بمرحلة دموية مقبلة: تعزيزات حو..ثية مكثفة، ذخائر وأسلحة ثقيلة، طائرات مسيرة استطلاعية وهجومية تحوم في سماء مأرب وتعز والجوف والحديدة ولحج والضالع ، هذه التحركات ليست مجرد استعراض قوة، بل إشارة واضحة إلى نية عدوانية تحاول أن تستثمر الفراغ السياسي والعسكري القائم في صفوف القوات الحكومية.
على إن السؤال الأكثر إلحاحا اليوم: أين هي الشرعية؟
هل يمكن لقوة سياسية تزعم تمثيل اليمنيين أن تغط في سبات عميق بينما تُحاصر المدن ويُقتل الجنود وتُحشد الجبهات؟
هل يكفي أن نمتلك اسما لـ"الشرعية" دون جسد حقيقي يدافع عن البلاد؟
طبعا من المخجل أن تبدو السلطة الشرعية عاجزة عن التفاعل مع تهديدات بهذا الحجم، حتى بعد أن تلقت المليشيات الح..وثية ضربات موجعة من الولايات المتحدة وإسرائيل.
فبدلا من استثمار هذا الإضعاف النسبي للعدو، والتقدم بخطوات مدروسة نحو استعادة المبادرة، نجد الشرعية منقسمة ومترهلة، تفتقر إلى الحد الأدنى من التنسيق والجدية.
والحق يقال إن أسوأ ما يمكن أن تواجهه الشعوب ليس عدوان العدو، بل خذلان الحليف.
والشرعية، في نظر الكثير من اليمنيين اليوم، لم تعد سوى اسم مفرغ من مضمونه. بل إنها عنوان بلا مضمون، هيئة بلا قرار، خطاب بلا فعل.
بمعنى أدق لا يكفي أن نلوم ال..حوثيين على طغيانهم واستبدادهم وطائفيتهم الكهنوتية، فذلك بات معلوما ومجربا ومكشوفا.
فيما المسؤولية الكبرى تقع اليوم على عاتق الشرعية اليمنية التي أخفقت في أن تكون بديلا وطنيا حقيقيا، جامعا، صارما، وقادرا على الفعل والمبادرة.
بالتأكيد نحن بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة كاملة للمؤسسة العسكرية الشرعية، إلى غرفة عمليات موحدة، إلى قرار مركزي، إلى نهاية العبث بالانقسامات والمصالح الضيقة. فالوطن لم يعد يحتمل مزيدا من العبث، والناس تعبوا من الانتظار، والوقت يمر لمصلحة المليشيا، وليس لمصلحة الدولة.
على إن الصمت الرسمي إزاء الحشود الح..وثية الأخيرة، هو جريمة بحجم الدماء التي قد تُراق.
وإن استمرار التردد والانقسام والشلل، هو أقصر الطرق إلى كارثة وطنية جديدة قد تُفقد ما تبقى من جمهور يؤمن بأن "الشرعية" لا تزال تستحق الدفاع عنها.
لذلك نقول:
فليستيقظ الجسد، أو ليرحل عن الاسم. وليتحد من تبقى من الضمائر الحية في داخل هذه الشرعية قبل أن يكتب على اليمنيين أن يعيشوا لعقود قادمة تحت نير الكهنوت والذل، فقط لأن من زعموا تمثيلهم كانوا في سبات حين حشد العدو أسلحته.
وعليه فإن التحذير لم يعد كافيا، والنقد لم يعد ترفا، والخوف لم يعد مبررا.!
إنها لحظة الحقيقة الجمهورية. فإما أن تكون الشرعية على قدر التحدي، أو فلترفع الغطاء عن الشعب ليقرر مصيره بنفسه.!