زيارة ترامب .. لماذا حضرت الأزمة السورية وغابت اليمنية؟

من الطبيعي أن توجد في أي مجتمع، صغيرًا كان أو كبيرًا، أولويات تحظى باهتمام أكبر من غيرها، سواء تعلّق الأمر بقضايا أو ملفات أو أزمات في مجالات متعددة. وعلى مستوى الدول، فإن لكل دولة أولوياتها، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع الدولي الذي يرتب الأزمات بحسب ما تمثله من أهمية ومصلحة. وعليه، يتفاوت مستوى الاهتمام تبعًا لترتيب هذه الأولويات.

فعلى سبيل المثال، تتبنى الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس دونالد ترامب توجهًا يركّز على إعادة بناء الداخل الأمريكي، لا سيما في الجوانب الاقتصادية والتعاونية. ولهذا، كانت وجهته الخارجية الأولى نحو دول الخليج العربي، باعتبارها شريكًا استراتيجيًا هامًا سياسيًا واقتصاديًا. وهذا يفسّر لماذا تمثل منطقة الخليج أولوية في السياسة الخارجية الأمريكية، بما يحقق مصالح إدارته. ومع ذلك، لا يعني هذا أن الحلفاء الآخرين أقل أهمية على الساحة الدولية.

عند النظر إلى الأزمات في المنطقة العربية، سنجد أن بعض الأزمات تحظى بأولوية إقليمية وأخرى بأولوية دولية. وتُعد الأزمة السورية من أبرز الأزمات ذات البُعد الدولي والإقليمي، إلى جانب الوضع في غزة. أما الأزمة اليمنية، فرغم تأثيراتها الدولية، فإنها تصنّف ضمن الأزمات ذات الأولوية الإقليمية، ويتم التعامل معها دوليًا ضمن تنسيق محدود يحدّد ملامح السياسة المتبعة تجاهها.

وانطلاقًا من هذه الحقائق، وبعيدًا عن التفسيرات العاطفية، فإن أولوية الملف السوري دوليًا، إلى جانب رغبة السعودية في لعب دور عربي فيه، دفعت ولي العهد السعودي إلى المساهمة في رفع العقوبات وعقد لقاء مع الرئيس الأمريكي، رغم أن الملف السوري لم يكن مدرجًا رسميًا في جدول الزيارة. في المقابل، لم تحظَ الأزمة اليمنية بنفس القدر من الاهتمام، نظرًا لطابعها الإقليمي ومحدودية أولوية المجتمع الدولي تجاهها، ما يفسّر غيابها عن جدول اللقاءات الرسمية خلال الزيارة.

وفي الختام، فإن قراءة المشهد السياسي من زاوية الأولويات الإقليمية والدولية، بعيدًا عن العواطف، توضح أن حضور قضية ما على طاولة النقاش لا يعكس بالضرورة أهميتها الإنسانية، بل مصالح القوى الفاعلة وتوازنات النفوذ. وبالتالي، فإن غياب أو حضور أزمة معينة لا يدل على قيمتها المطلقة، وإنما على موقعها النسبي ضمن خارطة الأولويات المتغيرة، حيث قد تتبدل الأولويات تبعًا لتغير الأوضاع والمعطيات الدولية في كل مرحلة.

14 مايو 2025