إطلالة من قمة فنار بحر الشمال ...


بروفيسور / قاسم المحبشي ..

وأنا أتجول في مدينة دنهاخ الهولندية الجميلة تذكرت ما كتبه أحمد بن قاسم الحجري أفوقاي، أول رحالة عربي زارتها بين 1611-1613م في كتابه (رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب)  والمعروف كذلك ب رحلة أفوقاي الأندلسي، ويتمحور الكتاب حول فرار صاحبه بدينه وبدنه من ملاحقة محاكم التفتيش سنة 1597م من ضواحي غرناطة ثم سافر إلى إمستردام ولاهي ويعد أول عربي يزور المدينة إذ وصفها " "ثم مشينا من مدينة ليذا إلى مدينة الَهَايَهْ، فيها دار أميرهم، والديوان. والتقيت هنالك برسول الأمير. كنت عرفته بمراكش، وكان شاكراً إلي كثيراً على ما وقفت معه في سجنه حتى خلصته منه." ..

جاء هذا الوصف في التعريف بمدينة لاهاي في الموسوعة الحرة،ويكيبيديا. مازلت المدينة كما وصفها ابو القاسم الحجري (دار أميرهم والديون) العاصمة السياسية للمملكة الهولندية..

تبلغ مساحتها حوالي 100 كيلو متر مربع. وتعد بذلك ثاني أكبر مدينة هولندية بعد أمستردام. ويبلغ عدد سكانها 1.051.889 معظمهم من أصول غير هولندية. مدينة كزمولولبتيكي حقا وفعلا، من مختلف الاثنينات واللغات والحضارات والاديان متعيشين في لاهاي بأمان ونظام عالي الجودة قل نظيره في العالم. مدينة لاهاي هي تحفة فنية تاريخية ثرية بالمتناقضات، حيث تضم مزيجًا ساحرًا يجمع بين الأنماط الحديثة والروائع القديمة، وهي مرادف للسلام والعدالة. وبفضل سهولة الوصول إلى كلٍ من المدينة والشاطئ، توفر لاهاي كل شيء بدءًا من القصور الملكية ومرافئ الصيد الهولندية الخالدة وصولاً إلى فرص لا حصر لها للاستمتاع بالتنزه سيرًا في الشوارع جنبًا إلى جنب مع سكان لاهاي الرائعين أثناء استكشافك للمأكولات الرائعة وغير التقليدية وتجارب التسوق التي لا تُنسى...

صحيت السبت الموافق ٣ مايو ٢٠٢٥ من صباح الرحمن فتوجهت بصحبة الشابين محمد قاسم العيسائي وزايد راجح بن سبعة إلى مركز المدينة. 
تركوني هناك وذهبوا إلى عملهم.كانت المدينة تتثاءب من نومها والجو منعشا والشوارع شبه خالية وكانت اشاهده واستمع إلى العتبات وهي تفتح أبوابها لتستقبل يومها الجديد. اغتنمت الفرصة قبل مجي صديقي العميد ثابت حسين فتجولت الشوارع القريبة من المدينة. كان الطقس مشمسا ومشجعا للسير على الأقدام بحماسة وأمان. سجلنا رقم قياس في السير الحر، ١٤ كم. وعدت إلى الشقة ونمت لمدة ساعتين. ناقشت مع الشباب خطت يوم الأحد ٤ مايو ٢٠٢٥م إذ كنت أعشم نفسي بيوم بحري أستعيد به ذكرياتي في جولدمور. كان لدي رغبة في ممارسة السباحة البحرية في شاطيء المحيط الأطلسي. أوصلني محمد العيسائي إلى محطة الميترو فذهب باتجاه بحر الشمال بحسب الخريطة. وصلت وما أن نزلت من الحافلة حتى شممت ريحة البحر فمشيت بحاسة الشم الفطرية كما تفعل مع الثدييات..

قطعت الشارع ومشيت ثلاثمية متر فإذا بالبحر أما بصري . تنفست الصعداء فانطلقت باتجاه بخطى حثيثة أبطأها الرمل الهش الناعم. غاصت قدمي في الرمل فتذكرت حديث الرجول للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي  كانت درجة الحرارة ١٠ درجات فقط والجو مغيما فبدأ يهطل المطر بزخات خفيفة مع رياح بحرية شديدة. ورغم ذلك واصلت سيري ممنيا نفسي بان الطقس سوف يتغير بعد لحظات أكيد كما هو حال الطبيعة في البلاد المنخفضة...

جلست أستنشق هواء البحر وأتامل البحر فعادت بي الذاكرة إلى عدن الحبيبة. شعرت بانني ألامسها واتحسس جسدها ونبضها ومشاعرها فالبحر هو ذاته ومياهه هي ذاتها ورمال البحر هي ذاتها في خورمكسر وجولد مور أو في لاهاي. احسست بألفة واندماج حميم مع المكان واهله ومرافقه إذ صعدت الفنار البحري حتى قمته وطلعت العجلة الكهربائية وتجولت في المتحف السياحي الطويل جدا حتى الواحدة ظهرا. 
فكان ما كان مما لست أذكره 
فظن خيرا فلا تسأل عن الخبر..

على كل حال ومآل لقد عدت من لاهاي بكتاب 
فن السفر للفيلسوف البريطاني آلان دو بوتون. 
اشتريته من معرض دنهاخ للكتاب العربي الذي زرتها عنوة لهذا الغرض....