هل من أسباب منطقية للتغيير؟


وسط مشهد سياسي متقلب، جاء قرار إقالة الدكتور أحمد عوض بن مبارك من رئاسة الحكومة وتعيين سالم بن بريك خلفًا له، كخطوة مفاجئة أثارت كثيرًا من التساؤلات، ليس فقط حول أسبابها، بل أيضًا حول دلالاتها في هذه المرحلة الدقيقة. فهل كان التغيير ضرورة ملحّة؟ أم أن ما جرى يخفي وراءه حسابات أعمق ترتبط بتوازنات النفوذ والمصالح؟
بغض النظر عن دوره السابق ك وزير للخارجية وسفير في واشنطن إلا أنه ومنذ تسلمه رئاسة الحكومة، بدا الدكتور بن مبارك مختلفًا عن سابقيه. أطلق إشارات واضحة نحو إصلاح بنية الدولة، وبدأ بإجراءات جريئة للحد من الفساد المالي والإداري. أحد أبرز تحركاته كان تقليص الإنفاق الموجّه إلى وسائل إعلام وصحفيين اعتادوا التسوّل من بوابات السياسة، مقابل الترويج لأكاذيب ومغالطات لا تخدم الوطن ولا المواطن. كان ذلك تحولًا حقيقيًا في نهج الحكومة تجاه الإعلام، أثار امتعاض كثيرين ممن بنوا مصالحهم على هذا النوع من العلاقات المشبوهة.

الأكثر حساسية في خطوات بن مبارك، كان تحركه نحو إنهاء ظاهرة “المسؤول المغترب” عبر دعوة صريحة لعودة كل القيادات الحكومية المقيمة خارج البلاد، وربطهم بمسؤولياتهم على الأرض. هذه الخطوة وحدها كانت كفيلة بإغضاب شبكة واسعة من المنتفعين، الذين رأوا في هذا التوجه تهديدًا مباشرًا لنمط النفوذ الذي دأبوا عليه.

في المقابل، لم تُقدَّم حتى الآن أي مبررات مقنعة لإقالته. ففترة توليه كانت قصيرة، وإشارات أدائه تميل نحو الحزم والانضباط أكثر منها إلى الفشل أو العجز. أما عن البديل، فإن سالم بن بريك لم يُعرف حتى اللحظة بمواقف إصلاحية واضحة، ما يجعل كثيرين يتخوفون من أن يكون هذا التعيين بوابة لإعادة تدوير النفوذ لا أكثر.

الواقع أن ما حدث يعكس صراعًا غير معلن بين مشروعين: مشروع يسعى لترميم الدولة وكبح الفساد، وآخر يتمسك بالبقاء في دائرة العبث القديمة. والمؤسف أن التجارب أثبتت مرارًا أن الكفة تميل دومًا لصالح من يملكون أدوات التأثير، لا من يملكون الرؤية.

ختامًا، لا يمكن تقييم هذا التغيير بمعزل عن مسار الأداء في المرحلة القادمة، لكن ما هو مؤكد أن إقالة بن مبارك جاءت في لحظة كان فيها بحاجة إلى الدعم لا الطعن، وإلى التحصين لا الإقصاء. فهل كان المطلوب إصلاح الدولة؟ أم إسكات من حاول أن يفعل ذلك؟