هـل القـادم أجـمل؟
فـي زحـمة الألـم اليومي، وفي ظل وطن يتنفس تحت الركام، يردد اليمني سؤاله الأبدي " هل القادم أجمل؟ ".
سـؤال بسيـط في ظاهره، لكنه مشحونٌ بكل ما اختزنه القلب من خيبات، وما خبأته الروح من أحلام مؤجلة.
منذ سنـوات، واليمن يعيش في دائرة مفرغة من الحرب والفقر والخذلان، بلدٌ كان يُلقَّب بـ" اليمن السعيد "، بات يتصدر مؤشرات البؤس والدمار.
مـدنٌ تـغيرت معالمها، وأصوات الحياة فيها باتت شحيحة، أطفال لم يعرفوا معنى الطفولة، وشباب كبروا على أصوات الانفجارات لا الأمل، جيلٌ بأكمله يعيش الحروب بدل أن يحلم بالمستقبل.
لكـن؛ وسط هذا الـظلام، ثمة شعاع خافت لا يزال ينبض، ليس لأن المشهد تغيّر فجأة، بل لأن الإنسان بطبعه لا يستطيع العيش بلا أمل.
فبعـض الجـدران التي تهدمت، حملت على شقوقها رسائل حب وسلام، وبعض العيون المتعبة، لا تزال تلمع حين يُقال " غـدًا أجـمـل ".
ثـمة مؤشـرات، ولو كانت خجولة، بأن اليمن لم يمت بعد، أصوات سلام ترتفع، ومبادرات تنموية صغيرة تولد من رحم المعاناة، وشباب يصرّ على التعليم والتميّز رغم الحصار والانقطاع.
فـي الشـوارع، ترى لوحات فنية على الحيطان تُقاوم القبح، وفي القرى النائية تسمع أغنيات تعبّر عن انتماء لا يموت.
هـل الـقادم أجـمل؟
نعم، يمكن أن يكون، ليس لأنه سيأتي بمعجزة، بل لأن اليمني حين يؤمن بحقه في الحياة، يصبح قادرًا على انتزاعها من بين أنياب الحرب والفساد والتخلف.
فاليمـن؛ لا يحتاج - فقط - إلى اتفاق سياسي، بل إلى ثورة أخلاقية شاملة، تعيد للوطن اعتباره، وللمواطن كرامته، يحتاج إلى عدالة، لا مساومات؛ إلى تعليم يبني، لا يلقّن؛ إلى قيادات ترى الشعب لا الكرسي.
الـقادم الأجـمل؛ ليس وعدًا مجانيًا، بل مشروع جماعي، يبدأ حين نقرر أن هذا البلد يستحق الحياة، وأن أولادنا يستحقون أن يحلموا بلا خوف.
رغـم كل شـيء، ما زال في القلب متّسع، وما زال فينا ما يكفي من العناد لنقول " نعم، القادم يمكن أن يكون أجمل بإذن الله تعالى، إن أردنا ذلك.
أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي
مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية
عـدن: 29. أبريل . 2025م.