عدن.. التدمير الممنهج للتعليم والخدمات

منذ حرب 1994، تعرضت العاصمة عدن لتحولات كارثية طالت مختلف القطاعات ادت إلى تدمير ممنهج للبنية التحتية والخدمات الأساسية فلم يكن دخول قوات نظام صالح مجرد اجتياح عسكري بل كان بداية لعملية تجريف شاملة استهدفت الاقتصاد، والخدمات، والأهم من ذلك، التعليم والصحة ، حيث اصبح التعليم من مجانية الجودة إلى تجارة خاصة كا أحد أخطر جوانب هذا التدمير وهو الاستهداف الممنهج للتعليم، حيث تعرضت المدارس الحكومية للتهميش من قبل الحكومات حيث تم تفريغها من دورها الأساسي في توفير تعليم مجاني عالي الجودة وذلك بعدم دعم المؤسسات التعليمية حيث استطاع لوبي من الفاسدين وبشكل ممنهج باحلال المدارس والجامعات الخاصة محل المؤسسات الحكومية ، وقد أدى هذا التدهور إلى انتشار المدارس الخاصة، والتي تفتقر في كثير منها إلى معايير تعليمية سليمة، بل أصبحت مجرد مشاريع استثمارية تهدف إلى تحقيق الأرباح دون الاهتمام بجودة التعليم.

اضافة الى انهيار المستشفيات الحكومية وانتشار العلاج الخاص حيث لم يكن التعليم وحده الضحية فقد تعرض قطاع الصحة لدمار مماثل من تدمير ممنهج للمستشفيات الحكومية وسرقة معداتها وتخريبها مما ادى إلى تدهور الخدمات الصحية بشكل غير مسبوق ، كما حدث في قطاع التعليم .

حيث تم استبدال المرافق الصحية العامة بمستشفيات خاصة واصبح العلاج فيها متاحا فقط لمن يستطيع تحمل التكاليف الباهظة، بينما ترك المواطن البسيط لمواجهة الموت في مستشفيات حكومية متهالكة بلا إمكانيات ولا كوادر مؤهلة متجددة بالعلم والمعرفة .

اضافة اصبح التوسع العمراني العشوائي على حساب الخدمات ، حيث زاد التوسع العمراني العشوائي من تعقيد الأزمة، حيث تم السماح ببناء العشوائيات على حساب المساحات المخصصة للمدارس والمستشفيات والروضة ، دون أي اهتمام بإنشاء مؤسسات تعليمية أو صحية جديدة تخدم السكان ، في الوقت الذي تدهورت فيه المدارس الحكومية تضاعفت أعداد المدارس والجامعات الخاصة التي تركز فقط على تحقيق الأرباح دون تقديم تعليم أو خدمات صحية ذات جودة حقيقية.

أدى هذا التدمير إلى تهميش موظفي المؤسسات التعليمية والصحية نتيجة تدهور العملة وتاخر رواتبهم كذا انخفضت رواتبهم إلى مستويات مهينة مما دفع الكثير منهم للبحث عن أعمال أخرى أو الهجرة ونتيجة ذلك، أصبح مستقبل الأجيال القادمة مهددا، حيث بات التعليم الجيد والخدمات الصحية الجيدة متاحة فقط لمن يستطيع الدفع، مما يرسخ الفجوة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع اضافة الى عزوووف طلاب الثانوية العامة من الالتحاق بكليات التربية لمايعانيه اليوم المعلم .

ان استمرار هذا النهج التدميري سيؤدي إلى مزيد من التراجع والانهيار يتطلب وقفة جادة من قبل القوى المجتمعية والناشطين للدفاع عن الحق في التعليم والصحة كحقوق أساسية لا يجب المساس بها. ومن بين الحلول الممكنة:

 اصلاح المؤسسات التعليمية والصحية الحكومية من خلال دعمها بالكفاءات والإمكانات اللازمة ورفع رواتبها واصدار قانون للمعلم اضافة للتطبيب والحوافز لتنافس القطاع الخاص.

 محاربة الفساد واللوبيات التي تسببت في هذا التدهور واتخاذ إجراءات صارمة لضمان تحسين جودة الخدمات العامة.

 تشجيع الاستثمار في التعليم والصحة ولكن بضوابط صارمة، بحيث لا يكون الهدف فقط تحقيق الربح بل المساهمة في تنمية المجتمع.

اعادة تخطيط البنية العمرانية للمدينة بحيث يتم تخصيص مساحات كافية لإنشاء مدارس والمستشفيات حكومية وحدائق الاطفال والروضة تلبي احتياجات السكان.

الضغط المجتمعي والإعلامي لإعادة الاعتبار للتعليم والصحة كأولويات وطنية لا يمكن التفريط بها.

ختاما مايحدث في عدن ليس مجرد اهمال بل مخطط مستمر لتفريغ المدينة من مؤسساتها الحيوية وإضعافها لصالح مصالح ضيقة والسكوت على هذا الواقع لن يؤدي إلا إلى مزيد من الكوارث لذلك لا بد من تحرك جاد لانقاذ ما تبقى من هذه المدينة العريقة، واعادة بناء التعليم والصحة وفق أسس سليمة تضمن للاجيال القادمة مستقبلا افضل.