المشعوذون.. تجّار الجهل والخرافة 

المشعوذون.. تجّار الجهل والخرافة 

كتب| عبدالله المنصوري 




حادثة "المشعوذ الشريف" ليست استثناءً عابرًا أو مجرد حالة فردية يمكن تجاوزها دون موقف، بالتأكيد هي امتداد طبيعي لسلوك الاحتيال، وانعكاس صارخ لثقافة الخرافة الضاربة جذورها في المجتمع، تُغذيها عقول مغيبة، وسلطة اجتماعية تتهرب من مسؤولياتها، وصمت جمعي يتواطأ مع الجريمة.

هذا الحدث ليس إلا جزءًا من مشهد أوسع تحكمه قوى استغلالية تتخذ من الدين غطاءً لخداع الناس ونهب أموالهم، وتفكيك نسيجهم الاجتماعي، وتحويلهم إلى ضحايا دائمين للجهل والخوف.

والسؤال الأهم هنا، ما الذي يسمح لهذه الظاهرة بالتمدد؟ وكيف يمكن لمجتمع أن يتغاضى عن عمليات استغلال فاضحة تتم تحت مسمى "العلاج بالقرآن" أو "الرقية الشرعية"؟ مع العلم أن هؤلاء النصابون لا يعالجون أحدًا، ولا يملكون علمًا أو خبرة، كل ما لديهم أدوات لسرقة عقول الناس وأموالهم، مدّعين قدسيةً ملفقةً تبرر لهم كل شيء، والأمر لا يتعلق بالدين كما يدّعون، فالقرآن الكريم بريء من ممارساتهم وسلوكياتهم ونهجهم الاحتيالي والاستغلالي. 

الحقيقة الأشد قسوة أننا كمجتمع، نتحمل جزءًا من المسؤولية؛ لأننا سمحنا بتمدد هذه الظواهر عبر الصمت تارة أو الاستسهال أو حتى المشاركة غير المباشرة تارة أخرى، نتعامل مع الدجالين كخيار مشروع بدلًا من تعزيز ثقافة الوعي والمعرفة، ونرفض التوجه إلى المختصين في الرعاية الصحية النفسية والاجتماعية بسبب وصمة العار، بينما نهرع إلى هؤلاء المحتالين ونضع بين أيديهم أموالنا ومشاكلنا وأحلامنا المكسورة!

وهذه الظاهرة، إلى ذلك، ليست مجرد نتاج الجهل؛ بل تجسيد لتواطؤ عميق مع ثقافة الإجرام الفكري، وما يفعله هؤلاء الدجالون، ليس بعيدًا عن ممارسات الجماعة السلالية، مليشيا الإمامة الأسوأ على مر التاريخ، التي تكرّس التخلف باسم الدين، والتي عادة ما اخترقت الوعي اليمني الممتد بمثل هذه الخزعبلات، التي تترعرع وتنمو في ظلها. 

إذا كنا جادين في مواجهة الحوثي وأفكاره السلالية المنحطة، فعلينا أولًا خوض معركة حقيقية ضد الخرافة في كل تجلياتها، وضد كل من يستغل الدين لتحقيق مكاسب شخصية، هذه المعركة تبدأ بفضح المشعوذين والدجالين، وتمر عبر تعزيز الوعي الثقافي والعلمي، ولا تنتهي إلا بقطع جذور الجهل التي تغذي مثل هذه الظواهر.

لن ينهض مجتمع خائف من مواجهة حقائقه، متردد في محاربة أوهامه، والحرب على الخرافة ليست خيارًا؛ بل ضرورة وجودية.. أما السكوت فهو خيانة للدين والإنسانية معًا.

لا تصمتوا..