إدمان الخصومة السياسية: تهديد للاستقرار والتقدم....

الأشخاص الذين يميلون إلى إدمان الخصومة السياسية يمثلون حالة منفردة في الحياة العامة، فهم في معظم الأحيان لا يتعاملون مع السياسة كأداة للتغيير الإيجابي، بل كأداة للصراع المستمر والعداوة المتبادلة. هؤلاء الأفراد غالبا ما يصبحون أسرى لثقافة الصراع، حيث يقدسون الخصومة ولا يرون في السياسة إلا ساحة لحروب كلامية تضمن لهم الظهور في وسائل الإعلام وتحقيق مكاسب شخصية، سواء كانت هذه المكاسب سياسية أو اجتماعية أو حتى مالية...

من الناحية التاريخية، مثل هؤلاء الأفراد يظهرون في فترات الاضطراب والتحديات الوطنية، فيما يزداد التوتر بين مختلف القوى السياسية، وتبدأ المجتمعات في الانقسام حول قضايا متنوعة.
 هؤلاء الذين يصرون على إدامة الخصومة السياسية غالبا ما يعتنقون نظرة صفرية تجاه الطرف الآخر، ويرفضون أي نوع من الحوار البنّاء. هذا التوجه ليس جديداً في تاريخ البشرية ، فقد شهدت العديد من الحضارات صراعات دامت لقرون بسبب هذا النوع من التفكير، مثل الانقسامات السياسية في الإمبراطورية الرومانية أو الصراعات الفكرية بين المعتزلة والأشاعرة في العصور الوسطى الإسلامية.

النقد هنا ليس فقط لأيديولوجياتهم السياسية، بل أيضا للطريقة التي يتعاملون بها مع النقاش السياسي. هم لا يسعون إلى فهم الواقع وتحليل المشكلات بشكل عقلاني، بل يفضلون تحميل الطرف الآخر المسؤولية الكاملة عن الأزمات، بغض النظر عن السياق أو الحقائق. هذه العقلية قد تؤدي إلى تدمير المؤسسات السياسية وإضعاف التماسك الاجتماعي، حيث تركز على "الآخر" بدلا من تعزيز مفهوم "الوحدة الوطنية"...

في الحقيقة فإن إدمان الخصومة السياسية ليس فقط تهديدا لاستقرار الدولة، بل هو خطر على الفكر السياسي نفسه. الشخص الذي يرفض قبول التنوع أو التفاهم مع معارضيه لن يكون قادرا على المساهمة في حل مشكلات المجتمع. وبدلا من ذلك، سيبقى في دائرة مغلقة من العداء والتعصب، مما يعوق تقدم الأمة نحو الحلول الفعالة التي تضمن الاستقرار والنمو...