المبعوث الناطق باسم "اللا أحد"!..

بينما كانت الشرعية اليمنية تتأمل في خرائط الاجتماعات الهلامية، وتُطالع أجندات المكونات السياسية كما يطالع فلكيٌّ عتيق خريطة الأبراج، تسلل المبعوث الأممي خلسة من خلف ظهر الدولة المزعومة، وتقمّص دورها بكل احتراف، حتى بات يُفاوض الحوثيين باسم "اللا أحد"، أو ربما باسم "المرارة المشتركة".

ترى أي مشهد هذا؟ المبعوث الأممي، ذاك الرجل الذي يُفترض أنه وسيط لا يتبنى طرفا، أصبح وكيل أعمال حكومة عاجزة لا تعرف إن كانت تحكم أم تُحكَم. حكومة تلهث خلف الاجتماعات، بينما يُكتب على جبينها بالحبر الأممي الشفاف: "مؤجلٌ إلى إشعار غير صادر".

نعم ، أين هي الشرعية؟ أو بالأحرى، ماذا تفعل الشرعية؟ هل تجتمع لتضع خطة اقتصادية؟ كلا. هل تجابه المشروع الإمامي عسكريا؟ بالطبع لا. إنها مشغولة بمناقشة أسماء المكونات وألقاب المستشارين، وتوزيع صور السيلفي في بهو الفنادق. وفجأة، من داخل هذا الركام المبلل بالخجل، ينبثق المبعوث الأممي، بكل أناقته، ويجلس قبالة ال..حوثي، متحدثا باسم "السلطة الشرعية الغائبة"، تلك التي نسيت كيف تُوقّع، وصرنا نخشى أن يوقع بدلا عنها!
صدقوني شرعيةٌ ترتبك كلما سمعت بكلمة "قرار"، بينما يخط المبعوث الأممي نصوصا بلغة دبلوماسية تشبه لغة محامي شيطان، تمنح للميليشيا صكّا حضاريا لم يكونوا ليحلموا به لولا هذه "اللا دولة".

تخيلوا معي: الشرعية في غرفة فندقية تحاول الاتفاق على لون شعار أحد المجالس والمكونات، والحوثي في الكهف يُفاوض عبر وساطة أممية على حقه في سرقة البنك المركزي من جديد، والمبعوث... يبتسم، ويسمي هذا: "مسار إنساني".!

أليس من حقنا أن نحزن؟ أن نغضب؟ أن ننتفض ساخرين من هذا السيرك السياسي؟ أليست هذه "الشرعية" نفسها التي تُستفز من تغريدة صحفي بينما لا تحرك ساكنا إذا سطا الحوثي على مؤسسة سيادية جديدة.

والشاهد إن أصبح المبعوث الأممي يمثلنا دون وكالة، ويتكلم باسمنا دون خطاب، ويُفاوض على رقابنا ونحن منشغلون بإعادة تشكيل "اللجنة العليا لتحديث المصطلحات".

وأسوأ من هذا كله... أن هناك من داخل الشرعية – وبكل أسف – لا يرى في هذه المهزلة خطرا، بل فرصة للتصوير الجماعي، ونشر بيان جديد من خمس فقرات، كل فقرة أطول من عُمر الحرب.

فيا سادة، حين يغيب الفعل، يتكلم الآخرون بالنيابة. وحين تتوه السلطة الشرعية في التفاصيل، يصوغ الخصوم مصير البلد على مقاساتهم.بل أن المبعوث الأممي لا يتجرأ لولا فراغ السلطة، ولا يفاوض لولا تهافت الموقف.

باختصار: المبعوث لا يخون، بل يملأ الفراغ الذي تركتموه، أنتم.

الرسالة واضحة، ومُخجلة: الحوثي حاضر.. وأنتم غائبون.

ويا لها من ملهاة… ويا لها من مأساة أيضا!..