عندما قاموا بالتبول داخل وايت الماء في تعز ..
كان محمد علي حسن الصبري يدمع وهو يسرد القصة..لاتاكد أن المدينة التي كانت وما زالت نبضا في قلب اليمن، عانت في أوقات الحصار ما لا يمكن أن يتخيله أحد...
تلك المدينة التي طالما احتضنت الفرح، واحتملت الألم، تذكرون حين أصبحت في لحظة ما ساحة معركة، وقلعة صمود في وجه الإذلال. ولم يكن الحصار الذي فرض عليها حصارا عسكريا فحسب، بل كان حصارا على الحياة نفسها.!..
اليوم، وأنا أستمع إلى قصة سايق الوايت محمد علي حسن الصبري، دمعت عيناي أيضا.
دمعت لأني عرفت أن معاناة تعز لم تكن مجرد ذكرى عابرة، بل كانت حية، تنبض في قلوب أهلها، وتستمر في عيون من شهدوا تلك الأيام القاسية...
محمد علي حسن الصبري، سايق وايت الماء، كان يعبر عن معاناة مدينة بكاملها...
كان يشارك في نقل الحياة إلى المدينة المحاصرة من قبل المليشيات الحو..ثية. بينما كان الماء، الذي هو أساس الحياة، يُمنع عن تعز بكل قسوة.
ولكن أكثر ما تألمت له، هو أن الماء كان آخر ما تبقى من أمل،لتتجسد أبشع صور الحقد والانتقام في ذلك المشهد، عندما صعد الجنود إلى وايت الماء، وهم يمنعون عنه توصيله إلى منازل الجوعى والعطشى في المدينة. وبعدها قاموا بالتبول داخل وايت الماء...
لحظتها لم يكن في قلوبهم رحمة، ولم يكن لديهم أي اعتبار للإنسانية. بل تجاوزوا كل الحدود، حتى وصلوا إلى درجة الإهانة..
قال لي "كان الماء الذي حملته :حلما، حياة، ولكنهم حولوه إلى أداة قمع وحقد. وكان منظر الجنود وهم يبولون داخل برميل الماء مشهدا ينم عن الكراهية المطلقة. ويتساءل محمد علي حسن الصبري مثلي: لماذا ؟؟!..
ولكن ..مع كل هذه المعاناة، فإن تعز بقيت صامدة.!
بقيت المدينة التي لا تستسلم، والتي رغم الحصار ورغم القهر، منسجمة في روح الوفاء داخل قلب سايق الوايت محمد علي حسن الصبري. الذي قال لي أيضا:"كانت تعز، كما العادة، تمثل القوة التي لا تُهزم، والشجاعة التي لا تُطفأ. ومهما حاولوا، فإنهم لم يستطيعوا كسر إرادة المدينة وأهلها."...
و هكذا ..لم يكن محمد علي حسن الصبري مجرد شخص يعمل على نقل الماء، بل كان أحد جنود الصمت، الذين يحمون أرواح الناس في أوقات المحنة...
كان يحاول انقاذ مدينة تعز في أصعب أوقاتها، عندما كان كل شيء يسعى لكسر عزيمتها..
ولكنها تعز"تلك الحبيبة، رغم كل ما مررتِ به، تظلين جوهرة قلبي" يقول محمد علي حسن الصبري..
وبرأيه" تظل تعز حكاية صمود تتردد في آذان الأجيال القادمة"..
وحينما يتذكر محمد علي حسن الصبري تلك الأيام، يتذكر ليس فقط الحزن، بل أيضا القوة التي برزت في أوقات الشدة..
قال لي أيضا:" رغما عنهم ستظل تعز في القلب، ولن أنسى تلك الأيام التي استشهد فيها الكثيرون من أجل أن تبقى تعز حرة، ولن انسى أبدا تلك اللحظات التي كانت فيها الحياة في خطر والمليشيات بلا قلب "...