العنصري الذي يناهض العنصرية: مفارقة بائسة في مشهد يمني عجيب

في ساحة الفكر والسياسة، يتجلى لنا نموذج استثنائي لكائن يرفع راية النضال ضد العنصرية، لكنه يغرق حتى أذنيه في مستنقعها.

 إنه ذلك الذي يصدح بشعارات المساواة، لكنه يتحامل، بوعي أو بلا وعي، على أبناء تعز لأنهم—حسب قناعته الفوقية—ليسوا من صنعاء، وكأن جغرافيا الميلاد منحة إلهية للتمييز الطبقي!

بل في عقله، هناك تراتبية صارمة: ابن صنعاء، بقدسية زائفة، مواطن درجة أولى، وابن تعز، رغم كل إسهاماته السياسية والعسكرية والفكرية والثقافية، مواطن درجة ثانية! 

ورغم هذا التمييز الفج، لا يتردد في الحديث عن "وحدة النسيج الاجتماعي" و"ضرورة تجاوز المناطقية". 

هنا فقط نرى كيف يمكن للمرء أن يكون عنصريا ومناهضا للعنصرية في آن واحد، في ازدواجية تكاد تكون عملا مسرحيا عبثيا أكثر منها موقفا سياسيا أو فكريا.

لكن لماذا يفعل ذلك؟ أهو مجرد تناقض بشري عادي، أم أنه امتداد لعقلية طبقية عتيقة تحاول البقاء عبر أقنعة حداثية زائفة؟

 ربما هو نسق قديم، متوارث، فيما صنعاء ليست فقط عاصمة جغرافية، بل مركزا متخيلا لسلطة لا تقبل منافسا. 

ولأن تعز، بفرادتها شمالا وجنوبا وتأثيرها العابر للجغرافيا، تظل عقدة تاريخية لمن يرى أن الهيمنة حق مكتسب، فإن مهاجمتها تصبح طقسا لمن يحاول تبرير استحقاقه لمكانة لا يستحقها.

لكن، لنتوقف هنا للحظة. هل المشكلة فيه وحده؟ أم أن المشهد اليمني برمته يعاني من هذه الازدواجية القاتلة؟ فكم من مثقف يرفع شعارات نبيلة صباحا، لكنه يمارس إقصاء بغيضا مساء؟ كم من خطيب يصرخ عن العدالة، لكنه يرسخ طبقية مناطقية لا يجرؤ على الاعتراف بها؟

الحقيقة المرة أن هذا النموذج ليس فرديا بقدر ما هو انعكاس لبنية اجتماعية تحتاج إلى تفكيك جريء.

 والساخر في الأمر أن هذا العنصري "المناضل ضد العنصرية" لا يدرك أنه صورة طبق الأصل لمن يقاومهم، لكنه فقط يرتدي ثوبا أكثر تهذيبا، وأحيانا أكثر خداعا.!

و يبقى السؤال: متى يدرك هذا "العنصري اللطيف" أن جوهر النضال ضد العنصرية يبدأ من الداخل، لا من المنابر والشعارات الفارغة؟