“إقصاء تهامة من التكتل السياسي في عدن: خريطة جديدة للظلم واستمرار سياسة التهميش في اليمن”..

“إقصاء تهامة من التكتل السياسي في عدن: خريطة جديدة للظلم واستمرار سياسة التهميش في اليمن”..

بقلم الكاتب / عبدالجبار سلمان ..

يمثل الإعلان عن إنشاء التكتل السياسي الوطني اليمني في عدن، والذي يضم 22 حزباً وجماعة سياسية، فصلاً جديداً من فصول الإقصاء السياسي، حيث جاء ليلقي بظلاله الثقيلة على المشهد السياسي اليمني، وخاصة على منطقة تهامة...

هذا التكتل الذي لم يتضمن تمثيلاً لتهامة، يفضح سياسة التهميش والإقصاء التي تنتهجها بعض القوى السياسية، والتي تهدف إلى فرض سيطرة أحادية على القرار السياسي وتجاهل حقوق ووجود بعض المناطق والمكونات الحيوية في البلاد. يعد استبعاد تهامة من هذا التكتل السياسي ليس فقط استمراراً لسياسة تهميش قديمة، بل هو تكريس جديد لواقع الظلم الذي يعيشه أبناء تهامة..

 فهذه المنطقة، التي تعتبر من أعرق وأغنى المناطق اليمنية من الناحية الجغرافية والبشرية، عانت طويلاً من الإقصاء المتعمد والفقر والتهميش، واليوم يأتي هذا التكتل ليزيد من جراحها بتغييبها عن المشاركة السياسية...

إن هذا الإقصاء يثير تساؤلات عميقة حول نوايا القوى السياسية التي تجاهلت تهامة، وكأن مطالب أبنائها في العدالة والمساواة غير قابلة للاستماع...

 إن تغييب تهامة في هذا التكتل يبعث برسالة واضحة أن بعض القوى السياسية اليمنية لا تزال مصرة على تجاهل التوزيع العادل للتمثيل السياسي..

 فبدلاً من الاعتراف بوجود تهامة كجزء أساسي من النسيج اليمني، يتم التعامل معها كمنطقة هامشية، وكأن أبناءها مجرد متفرجين على مشهد سياسي يخصهم ويؤثر على مستقبلهم دون أن يكون لهم دور أو صوت فيه. هذا التصرف يعيد رسم خريطة الظلم داخل اليمن ويؤكد أن بعض القوى لا تزال ترى في أبناء تهامة “أدوات ثانوية” بدلاً من شركاء في القرار الوطني. لطالما كانت مطالب أبناء تهامة واضحة ومشروعة، وهي مطالب تتركز حول ضرورة إشراكهم في صنع القرار وتحقيق تنمية عادلة في مناطقهم. لكن لقاء عدن الأخير، كما يبدو، قد اختار أن يتجاهل هذه المطالب العادلة، مما يزيد من اتساع الفجوة بين المكونات السياسية اليمنية ويضعف آمال أبناء تهامة في تحقيق العدالة الاجتماعية...

فالتهميش المتعمد ليس مجرد غياب للتمثيل، بل هو رسالة ضمنية مفادها أن صوت تهامة لا يهم، وأن مشاكلها ومعاناتها ليست على أجندة هذا التكتل السياسي. إن أبناء تهامة لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام هذا التجاهل المتعمد. بل إنهم يحملون رسالة واضحة إلى كل القوى السياسية في اليمن بأن سياسة التهميش والاستبعاد لن تصنع سلاماً أو استقراراً في البلاد. بل على العكس، فإن تجاهل مطالب تهامة سوف يؤدي إلى زيادة الانقسامات وتأجيج مشاعر الظلم والغضب. ولعل ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو أن أبناء تهامة يشعرون اليوم بأنهم غرباء في وطنهم، يُستثنون من المشاركة في القرارات التي تؤثر على مصيرهم ومستقبلهم...

 إن هذا الإقصاء يعكس سياسة خطيرة تسعى للهيمنة الأحادية وفرض النفوذ على حساب التعددية والتنوع في اليمن. وإذا كانت هناك نية حقيقية لدى القوى السياسية في بناء وطن يتسع للجميع، فيجب عليها أن تعيد النظر في سياسات التهميش وأن تبدأ بإشراك جميع المكونات، بما في ذلك تهامة، في صنع القرار السياسي...

 فاليمن الجديد الذي نحلم به جميعاً لا يمكن أن يقوم على التهميش والإقصاء، بل على العدالة والمساواة بين مختلف مكوناته. إن استمرار تهميش تهامة وبقية المناطق المهمشة ليس مجرد خلل سياسي، بل هو عقبة رئيسية أمام تحقيق السلام المستدام في اليمن. فعندما يشعر جزء كبير من الشعب بأنه مستثنى من الحقوق، ومستبعد من دائرة القرار، فإن ذلك يؤدي إلى خلق بيئة خصبة للنزاعات ويهدد أي جهود تسعى لتحقيق السلام..

 إن تهامة ليست مجرد منطقة جغرافية، بل هي جزء من هوية اليمن وتاريخه، وأبناء تهامة لهم الحق في أن يكونوا شركاء كاملي الحقوق في بناء وطنهم.  إن التكتل السياسي في عدن، بشكله الحالي، لا يعبر عن اليمن بمختلف مكوناته وتنوعه، بل هو مجرد انعكاس لسياسة احتكارية تسعى للسيطرة على القرار السياسي دون مراعاة لقضايا العدالة والمساواة. وإذا استمر هذا النهج، فإن اليمن سيظل غارقاً في نزاعاته وانقساماته، وستبقى تهامة وغيرها من المناطق المهمشة خارج معادلة التنمية والسلام...

وختاماً، على القوى السياسية أن تدرك أن بناء اليمن الجديد يتطلب شجاعة لإعادة النظر في السياسات التهميشية، وأن تضمن تمثيلاً عادلاً يحقق لجميع اليمنيين، بمن فيهم أبناء تهامة، حقهم المشروع في تقرير مصيرهم والمساهمة في صنع مستقبل بلادهم....