نبيل الصوفي: رحلة تحولات سياسية وديناميكية مثيرة!

في عالم السياسة، لا شيء ثابت، والتغيير هو السمة التي تميز الشخصيات التي تترك بصمتها. واحدة من أبرز هذه الشخصيات في الساحة اليمنية هو الزميل القدير نبيل الصوفي، الذي أثار الكثير من النقاشات والتحولات في مسيرته السياسية والفكرية. 

على أن رحلته كانت مليئة بالتطورات غير الجامدة، وحملت معها تساؤلات ومشاعر عديدة جعلت منه شخصية مثيرة للاهتمام في محيطه السياسي. 

نعم ، كيف يمكن لشخصية صحفية وسياسية أن تعبر عن ديناميكية و رؤى فكرية جريئه، ومفاجئة ، وكيف يتعامل مع المتغيرات السياسية في بيئة مليئة بالضغوط والاستقطابات؟ الإجابة عن هذه الأسئلة هي ما يميز نبيل الصوفي في نظر المتابعين له.

والحال أن نبيل الصوفي، الذي كان في يوم من الأيام رئيسا لتحرير صحيفة "الصحوة"، لم يكن يتردد في استقطاب الكفاءات الصحفية من مختلف التوجهات السياسية. حتى في فترة عمله رئيسا لتحرير صحيفة تمثل حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، كان يستكتب شخصيات ذات خلفيات سياسية متنوعة.

 كنت واحدا من أولئك الذين كتبوا في" الصحوة" تحت إدارته في تلك الفترة، وبينما كنت محررا في صحيفة "الثوري"، لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني، قبل أن أكون سكرتير تحرير"الثوري" كان الصوفي يبدي احتراما غير عادي للمهنية الصحفية بغض النظر عن الانتماءات الحزبية. 

والشاهد أن هذا النوع من الانفتاح كان نادرا في ظل التوترات السياسية السائدة آنذاك، لكنه كان يعبر عن روح التسامح الفكري والسياسي التي يتمتع بها الزميل القدير نبيل الصوفي.

لكن ما يلفت النظر في شخصية الصوفي هو تحولات رؤاه السياسية.

فلقد كان دائما يثير الجدل بين مؤيديه وخصومه. فيما تلك الديناميكية في رؤاه لم تكن محصورة في مواقف سياسية معينة أو محكومة بمواقف حزبية مسبقة. بل كان يبرز في اللحظات الأكثر صعوبة، ليأخذ قرارات غير متوقعة حتى وإن كانت تنطوي على تغيير مفاجئ.

نعم، قد يختلف معه البعض، لكن الجميع يوافق على أنه يجبرك على احترامه. وفي هذا التغير الجذري في أفكاره، نجد شخصية سياسية لا تسير وفق النمط التقليدي.

ولذلك كان الصوفي على مدى سنوات من أبرز الوجوه الإعلامية التي تشارك في تحليل المشهد السياسي اليمني، ونجح في إثارة النقاش حول قضايا حساسة، مثل تحالفات القوى السياسية ودور الإعلام في تشكيل الرأي العام. 

 في هذا السياق، لم يكن له موقف ثابت في تحالفاته السياسية. إذ على الرغم من انتمائه إلى حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، إلا أن تصرفاته السياسية كانت متسمة بالمرونة. لكنه ارتكب خطأ تاريخيا عندما دعم تحالف الرئيس الراحل علي عبد الله صالح مع مليشيات الحوثي، وهو ما دفع العديد إلى انتقاده بشدة. 

ومع مرور الوقت، وبالرغم من حجم الخطأ، تراجع الصوفي عن هذا الموقف، وأعلن عن تبرؤه من التحالف الذي قاد إلى الأزمة التي تعيشها البلاد. 

هذا الموقف من نبيل الصوفي يعكس قدرته على التطور الفكري والسياسي، والقدرة على الاعتراف بالأخطاء ومراجعتها.

لكن رغم تراجعه عن هذا التحالف، لا يمكن تجاهل تأثيره الكبير في المشهد السياسي اليمني، وأبرز ما يجذب الانتباه في مسيرته هو علاقته بالعميد طارق صالح، أحد أبرز قيادات المؤتمر الشعبي العام. 

فالصوفي، الذي كان في يوم من الأيام من أبرز مناهضي هذا التيار السياسي، وجد نفسه في فترة من الفترات إلى جانب طارق صالح، ما يعكس مرة أخرى مرونة فكرية فريدة في تعامله مع المواقف السياسية.

على أن الصوفي لا يحكم على الأشخاص بناء على توجهاتهم السياسية أو مناطقهم الجغرافية، بل يسعى دائما للبحث عن أرضية مشتركة يمكن من خلالها التفاهم والتعاون. 

بل هو"لا يعترف بالصراع السياسي الشخصي". وهذا يجعله شخصية صعبة التصنيف، إذ إنه يتفاعل مع الأحداث بمرونة سياسية بعيدة عن الأطر الثابتة.

لكن ما يثير التساؤل في مسيرته: هل تحولات الصوفي السياسية كانت نتيجة لتغيرات حقيقية في رؤاه، أم أنها محكومة بمواقف ظرفية؟و هل يُعتبر تراجعه عن تحالفات سابقة خطأً أم دليلا على قدرة الإنسان على إعادة ترتيب أولوياته والتكيف مع الأوضاع؟اعني أنه على الرغم من أن البعض قد يعتبر هذا التغير تراجعا عن مواقف ثابتة، إلا أن هناك من يرى فيها محاولات لتقديم توازن سياسي أكثر نضجا.

في الحقيقة تظل تساؤلات عديدة حول مستقبل الصوفي السياسي، لكن الذي لا شك فيه هو أن الرجل يعبر عن تيار سياسي متحرك يتسم بالقدرة على التكيف.بل في كل مرحلة من مراحل حياته، سواء كان في الصحافة أو السياسة، كان يسعى إلى التجديد والتحسين، مستمدا من ماضيه ومعتقداته ما يمكنه من مواكبة التغيرات التي تطرأ على الساحة السياسية.

كذلك فإن ما يميز نبيل الصوفي ليس فقط موقفه من القضايا، بل الطريقة التي يتعامل بها مع الخلافات السياسية. في حين أن الكثيرين في الساحة اليمنية غارقون في العداء السياسي، يظل الصوفي يفضل الحوار والتفاوض مع خصومه. والحق أقول إن هذه الثقافة السياسية التي يروج لها لا تقتصر فقط على رد الفعل السياسي، بل تعكس فهما عميقا للتحديات التي يواجهها اليمن.

بمعنى أدق فإن نبيل الصوفي اليوم يشكل ظاهرة سياسية في حد ذاته، وصورة عن شخصية قادرة على التعامل مع التحولات السياسية بعقلية مرنة وحكيمة.

وعليه فإن نبيل الصوفي ليس انتهازيا كما يروج البعض، بل هو شخصية صادقة للغاية، تتسم بالواقعية في تقديراتها السياسية. فلا يتبنى مواقف براجماتية سطحية، بل يعكس تبنيه فهما عميقا للواقع اليمني المتغير، ويستند إلى قناعات حقيقية تسعى لتحقيق التوازن والتغيير الإيجابي والتطور .

بل إن ما يجمعنا اليوم هو الحس الجمهوري أولا وأخيرا، وهو ما يجعلنا نحرص على وحدة اليمن بعيدا عن الانقسامات الطائفية والمناطقية.

يقول نبيل الصوفي المثير للاهتمام جراء تحولاته غير الجامدة:

ان"اعادة بناء منهج الجمهورية، يتطلب مننا كلنا تعزيز قيمها.

كانت الحرب في 94 أول وأقسى الضربات التي عثرت التحول الديمقراطي الدستوري الذي ازدهت به الجمهورية اليمنية.

ثم كان عنوان "الاغلبية الساحقة" أول أخطاء الحكم الحزبي في اليمن الجمهوري الذي يحاول الانتقال للديمقراطية.

وأفضت أزمة التجربة الحزبية الى تعطيل التغيير قبل وبعد فبراير 2011، ثم خطف الحرس الثوري الايراني تجربة "الشباب المؤمن" واعاد توظيفها فسحق الدولة بشقيها؛ النظام والثورة والسلطة والاحزاب، القيادة والشعب، فشرد الناس وشتت كل ما أنجزته الحركة الوطنية اليمنية بكل اطيافها خلال مايقرب من 100 عام.

بالحوثية هزم الحرس الثوري اليمن قيما وافكارا ومنهجا قبل أن يحتلها عسكريا..

والمواجهة تبدأ من هنا..

اعادة بناء هويتنا النضالية، جمهورية تعددية شعبية ديمقراطية، تحقق المواطنة المتساوية وتبني تجربة لحكم القانون..

وبكل ذلك ستحيا الجمهورية، بعز عزيز او ذل ذليل.."