لا تجرحوا مشاعر القرود
للمرة الأولى تنحاز المؤسسات العدلية والجنائية الأممية، إلى جانب الحق الفلسطيني، ضد المغتصب الإسرائيلي وحلفائه، بعدما كاد الأمل يتلاشي من فاعلية "الأمم المتحدة" ومنظماتها، بل وبإمكانية تحقق العدل على الارض.. والفضل، لمتغير تقني حطم ما كنا نظنه ثوابت راسخة في العلاقات الدولية، واستطاع تدشين عصر "السلطة الخامسة" وتأثيراتها المتجاوزة هيمنة الغرب على وسائل المعلومات وأدوات المعرفة.
أصبحنا نعيش عصر "السلطة الخامسة" لتطبيقات الشبكة العنكبوتية العالمية "النت" ومواقع التواصل الاجتماعي، التي آذنت بأفول نجم "السلطة الرابعة" لوسائل الإعلام التقليدية، وإنهاء تغول واستبداد وكالات الانباء وشبكات التلفزة العالمية وإمبراطورية الصهيوني "روبرت ماردوخ" الإعلامية، الني ظلت تحتكر المعلومة وتروج لسياسات القائمين عليها ومصالحهم، متوسلةً أساليب ممنهجة في التضليل الإعلامي لكل ما يناقض التوجهات الاستحواذية للغرب الإمبريالي.
تمرد تطبيقات "النت" ومواقع التواصل الاجتماعي، على حاضنتها وسلطتها المرجعية، تجد تأسيساً لها، عندما نشر المبرمج الأسترالي "جوليان أسانج"، قبل سنوات في موقعه الإلكتروني، وثائق سرية خطيرة تتصل بالسياسات الغربية في عدد من دول العالم، ليتسبب بحرج بالغ لدوائر الهيمنة الغربية العالمية وسيطرتها على وسائل المعرفة بعد استحواذها على أغلب مصادر وثروات العالم.
علاوةً، تأتي تداعيات جرائم الصهاينة على السكان المدنيين في غزة الفلسطينية، لتكشف القوة الفائقة لمواقع التواصل الاجتماعي، في نشر وإذاعة المعلومات الواقعية للأحداث بعيداً عن سلطة وسائل الإعلام التقليدية المقروءة والمسموعة والمرئية، الخاضعة لسيطرة الرأسمالية الغربية واللوبي الصهيوني العالمي، فيما فشلت محاولات المنظومة الغربية تحجيم تأثيراتها وكبح فاعليتها.
لولا مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والواتس واليوتيوب، التي أتاحت بث ونشر ما يحدث للفلسطينيين في قطاع غزة ، ما كان للعالم أن يعلم حقيقة الجرائم المروعة للكيان الإسرائيلي بحق المدنيين العزل، ولما خرجت المظاهرات الغاضبة في المدن والجامعات الأوروبية والأمريكية المنددة بها والداعية لفك الارتباط مع الكيان الصهيوني ووقف جرائمه الوحشية.
لا إنسانية في قتل الإنسان آخراً مثله، فقط ليحتل أرضه ويحوز ثروته.. وربما اعتقد البعض، أن من غير اللائق أخلاقياً، استدعاء نزعة التعصب وأوصاف الدونية والتحقير ونعت الآخرين بأحفاد القردة والخنازير.. ليس فقط لأن الفعل يستتبع بالمثل هجوماً مضاداً، بل لأن الأمر لا يعدو كونه تضميناُ إيحائيا يستبطن حالة التمركز العرقي والجغرافي؛ الغرب المسيحي والصهيوني في مقابل الشرق العربي والمسلم.
الحال، أن أوصاف كهذه تظل تقريرات خطابية، تفتقر للموضوعية، إلا أنها ربما حُمِلَت على النظرية "الداروينية"، في محاولة لتأصيلها علمياً، رغم أن النظرية، وهي غربية المنشأ، لم ترقَ إلى مصاف الحقيقة العلمية.
تفترض " الداروينية" وجود سلف "جد" مشترك بين الإنسان والقردة العليا.. ما أدى إلى نوع من المشابهة بينهما.. وفي ظل وحشية البشر ضد بعضهم، يبدو أن تشبيهاً كهذا من شأنه أن يجرح مشاعر القرود.