كيف تصنع لك مجداً في سوق النفاق؟
في عام 2011، كانت أبين تحت سكاكين الإرهاب، تئن كجسدٍ ممددٍ على طاولة الجزار. القاعدة احتلت، فجّرت، قطّعت، هجّرت. المشهد كان واضحًا، دمٌ على الأرصفة، وأشلاء على الجدران، وأمهات يندبن أبناءهن بصوتٍ لو سمعه الحجر لبكى.
لكن وسط هذا الدمار، خرج الهالك عبد المجيد الزنداني مندّدًا بالضربة الأمريكية التي استهدفت الإرهابيين آنذاك، حاملاً لواء الغيرة على "الشرعية"! لا شرعية الدولة التي تحترق، بل شرعية التنظيم الإرهابي الذي لم يوفر شيخًا ولا طفلًا ولا جدارًا سليمًا. لم يندد بالمجازر، لم يرفع صوته ضد القتلة، بل وقف كحارس معبد يدافع عن "حق" القاعدة في القتل بلا إزعاج.
تذكرت هذا المشهد وأنا أقرأ اليوم تغريدات بعض المثقفين اليمنيين وهم ينوحون على الحوثيين الذين استهدفتهم الضربات الأمريكية.
أحدهم يكتب بحزنٍ يليق بمآتم الأمهات "نختلف مع الحوثيين، لكننا نرفض قصفهم من قبل أمريكا"
يا سلام، يا للنزاهة الفكرية، وكأن الحوثي عندما اجتاح الجنوب لم يقتل، لم يدمّر، لم يحوّل عدن إلى مقبرة بحجة أن الجميع "دواعش".
يا أيها العارفون بأحوال القيم والمبادئ، أخبروني، هل عقد الحوثيون مؤتمرًا صحفيًا يبرّرون فيه قتل أطفال المنصورة؟
هل قدموا استئنافًا قانونيًا قبل أن يدفنوا نازحي رصيف السياح تحت الأنقاض؟ أم أن "المثقف" يملك وحده هذا الامتياز حين يملئ شدقيه بالقات متخيلا نفسه كالمحلل السياسي الذي لا يشق له غبار، فاتحا فاه كالبهيمة، ويقرر أن كل هذا مجرد "حرب أهلية يجب أن نكون على الحياد فيها"؟
الحقيقة أنني لم أعد أجد فرقًا بين موقف بعض النخب اليمنية اليوم وموقف عبد المجيد الزنداني بالأمس. كلاهما يضع الإرهاب في ثلاجة المصطلحات السياسية، يلمّعه، يعطّره، يمنحه حصانة أخلاقية تحت شعار "نحن ضد التدخل الخارجي!"
لكنني أتفهم الأمر في اليمن؛ أن تكون مثقفًا يعني أن تمتلك مهارة الالتواء كخصر الراقصة، أن تقفز بين المواقف كما يقفز القط بين الأسطح، أن ترفع صوتك عند الحاجة، وتخفضه عندما يتطلب الأمر قليلًا من البراغماتية.
وها هم اليوم يعيدون الأسطوانة ذاتها مع الحوثي، ويجدون أن بلطجته في البر والبحر أمرٌ جائز شرعًا وقانونًا طالما أنه "يدافع عن غزة"، بينما شعبه غارقٌ في الأزمات حتى أخمص قدميه.
وفي النهاية، لا عزاء للضحايا.
وحالكم السالم.