المعهد العالي للقضاء بعدن... دور قضائي مميز في مسيرة صناعة القضاة الأكفاء

المعهد العالي للقضاء بعدن... دور قضائي مميز في مسيرة صناعة القضاة الأكفاء

منبر الاخبار: خاص

تقرير| هشام الحاج:

اذا كان الرأي العام الجنوبي يتوق إلى قضاء فعال يرقي إلى مستوى طموحه، وصناعة القضاة الأكفاء ، فإن الوصول إلى هذا المبتغى ينطلق من مؤسسة المعهد العالي للقضاء بالعاصمة عدن، التي أناط بها المشرع مهام إعداد وتكوين وتأطير وإنماء القدرات المهنية للقضاة، من خلال تزويدهم بالمعارف والمهارات والخبرات التي تجعلهم قادرين على مزاولة العمل القضائي بما يحقق الأهداف المخططة للمؤسسة القضائية.

النشاءة والتأسيس..

أفتتح المعهد أبوابه لأول مرة في عام ١٩٨٠م في صنعاء وبدأ نشاطه التعليمي بذلك العام كذلك حيث كان يقدم برنامج دبلوم في الدراسات القانونية والشرعية لمدة عامان لكونه حديث الإنشاء وفي عام ٢٠٠٨م، تم تغيير نظامه الأكاديمي بناءً على قرار رسمي رقم ٨٤ وأصبح يعتبر مؤسسة أكاديمية حديثة تمنح شهادة الماجستير في العلوم الشرعية والقانونية وأصبحت مدة الدراسة فيه ثلاثة أعوام.

وفي العام ٢٠١٨م تم نقل المعهد إلى العاصمة عدن ، وذلك بناءً على قرار من مجلس القضاء الأعلى السابق برئاسة القاضي علي ناصر سالم، استنادًا إلى توجيهات رئاسية سابقة بنقله من صنعاء إلى عدن، وبعد ثلاثة أشهر من النقل تم تعيين القاضي الدكتور/ نضال شيخ عبيد عميداً للمعهد لتنفيذ مهمة ورؤية المعهد المتمثلة بجعله مصنع للقضاة ومنارة تعليم وتدريب قضائي وقانوني وفقاً لأعلى مستويات الإجادة وتعليم وتدريب كوادر قضائية وقانونية متنوعة باستخدام أحدث الأساليب العلمية والتقنية حال توفر الدعم الكافي.

# تكوين رجال القضاء..

إن المهمة المنوطة بالمعهد العالي للقضاء لا تنحصر في تكوين رجال القضاء، بل تندمج في سياق رؤية شمولية تنبني على التكوين والتكوين المستمر لكافة الفاعلين بقطاع العدالة لتمتد إلى نسيج المجتمع وأوصاله الاجتماعية والاقتصادية ومختلف مناحي حياة الأفراد بالمجتمع.

يتميز المعهد العالي للقضاء بأنه مصدر للمعرفة ومعيار للإحتراف في دخول مجال القضاء، فهو يعتبر واحد من أبرز السلطات القضائية في البلاد التي تحظى بمكانة مرموقة واستقلالية مالية وإدارية تحت إشراف وزارة العدل، وتتبع في تطبيق السياسة العامة لمجلس القضاء الأعلى، الذي يعمل على إنشاء وتحسين نظام قضائي قوي ومستقل يوفر العدالة ويضمن حقوق الأفراد والمجتمع.

# أول إنجاز..

وقد شهد المعهد قبل أيام قليلة حدثاً تاريخياً بتخريج أول دفعة من طلابه وهي الدفعة الثالثة والعشرين التي ضمت 286 خريجاً حاصلين على درجة قضائية وكيل نيابة (ب) وتم توزيعهم على النيابات في المحافظات المحررة.

كما استقبل المعهد الدفعة الرابعة والعشرين، وهذا يدل على هدف المعهد في إستمرارية تأهيل وتدريب الملتحقين بالمعهد قضائياً وعلمياً وعملياً، وتقديم التأهيل المستمر لأعضاء ومختصين السلطة القضائية من الرجال والنساء، والمساهمة في نشر الثقافة وتعزيز الفهم الشرعي والقانوني.

وهذا يعتبر أول إنجاز للمعهد بعد أن تم نقله من صنعاء الى العاصمة عدن مطلع العام 2018م.

# مصنع القضاء الحقيقي..

إن نقل المعهد إلى عدن كان وسيبقى أكبر إنجاز يتم أحتسابه للسلطة القضائية ويعود الفضل بذلك من بعد الله إلى مجلس القضاء السابق والمجلس الحالي والوزراء الأفاضل جمال عمر رحمة الله عليه و الوزير علي هيثم الغريب حفضه الله و الوزير والاخ العزيز القاضي بدر العارضة حيث كان لهم جهود كبيرة ومشتركة في إنجاح نقل وبقاء المعهد ليومنا هذا.

أن إنجازات المعهد الحالية تتمثل في إستمرارية تخريج الدفعات أول بأول مع العلم أن دفعة (٢٢) درست آخر فصل لها في عدن، وذلك بعد أن تم سحب الطلاب من صنعاء.

وتخرجت هذه الدفعة في عام ٢٠٢٠م. وبعد ذلك، استقبل المعهد الدفعة ٢٣، والذي تم إصدار قرار جمهوري لهم برقم 9 لعام ٢٠٢٤م بمنحهم درجة قضائية وكيل (ب)، وبلغ عدد خريجي هذه الدفعة 286 خريج، كما تم قبول أكثر من ٣٠٠ طالب وطالبة للدراسة في المعهد بالدفعة رقم ٢٤، والأعداد هذه مقارنة بدفعات صنعاء كبيرة والتي لا تتجاوز حالياً الـ ٧٠ طالب بالدفعة الواحدة.

وهو ما يثبت أن المعهد العالي للقضاء رغم ما تعرض له من صعوبات بالفترة الماضية إلا أنه استطاع تجاوزها بتظافر جهود الجميع وبأعتباره مصنع القضاء الحقيقي وبوابة الدخول لكل من يتطلع لأن يصبح قاضياً في المستقبل.

# برامج تعليمية وتدريبية ..

أن نظام التعليم في المعهد عبارة عن دراسة حضورية نظامية وهناك بحث وجب على الطالب عمله كل سنة ويجب أن لا يقل عن سبعين صفحة ويتم ذلك عبر عقد دورات تطبيقية إلزامية للطلاب، تستمر لمدة شهرين في كل سنة دراسية وفقاً للوائح والنظم لذلك تم وضع هذا القانون لكي يكون الخريج من المعهد مهنياً في الأول والأخير وليس فقط أكاديمياً، وهذه الدورات تنقسم إلى قسمين:

قسم تعليم مستمر ويتم فيه تدريب الطلاب في النيابات في السنة الأولى، وفي محاكم مختلفة في السنتين الثانية والثالثة. ويتم الإشراف على الطلاب من قبل قضاة وأعضاء نيابة متخصصين، ويتم تقييم الطلاب بناءً على مشاريع وقرارات يقدمونها خلال الدورات. ويجب على الطالب أن يحصل على 100 درجة على الأقل من أصل 200 درجة للنجاح أما القسم الثاني فهو نظام الدورات التطبيقية: يتم تدريب الطلاب في مواضيع مختارة من القانون والشريعة، ويتم تقدير الدراسة التطبيقية كمادة علمية وفق النظم المتبعة.

يقدم المعهد أيضاً دورات قصيرة للقضاة ومعاوني النيابات تختص بالواقع القانوني في البلد، وهذه الدورات تحديداً متوقفة بالوقت الحالي لكونها تحتاج إلى مخصص مالي وليس بأستطاعة ميزانية المعهد أن تتحملها.

أما بخصوص تحديث المنهج التعليمي فنحن حالياً في طور إعداد مادة جديدة تخص الأمن السيبراني، وهي مادة مهمة في ظل التطور التقني والتحديات الأمنية التي تواجه العالم الحديث، كما نعمل على إضافة مواد أخرى تختص في القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان، وهي مواد ضرورية لتعزيز الوعي والمسؤولية القانونية للقضاة، ونحاول أن يتم إقرار هذه المواد من قبل مجلس المعهد ومجلس القضاء الأعلى، وذلك لتحسين جودة التعليم والتدريب في معهدنا.

# معايير وآلية اختيار الطلاب...

في سياق هذا الموضوع فإن سياسة مجلس القضاء الأعلى قد حددت بالفعل بأن تكون للمناطق النائية خاصة بالمحافظات الجنوبية لها مقاعد في المعهد، وذلك بناءً ع تقارير رفُعت للمجلس من قبل هيئة التفتيش القضائي والذي أظهرت بأنه يوجد نقص حاد بوجود كادر قضائي بالمحافظات الجنوبية. بالإضافة لصعوبة إيجاد قضاة يقبلوا بأن ينتقلوا من مسقط رأسهم إلى العمل في مرفق قضائي بمديرية نائية لما يترتب عليه من عدم تأقلمهم في المكان وعدم توفير حوافز مالية وبدل مواصلات لهم وغيره من أمور.

وهو ما حذا به أن تكون الأولوية لخريجي تلك المحافظات والمديريات النائية وفق النظم والضوابط الخاصة بمعايير القبول والمذكورة بقانون المعهد العالي للقضاء رقم ٣٤ لسنة ٢٠٠٨م، ولكي اختصرها لك فأن من أهم شروط القبول أن يكون المتقدم يمني الجنسية وحاصلاً على الشهادة الجامعية في الشريعة والقانون أو الحقوق بشرط أن تكون مواد الشريعة الإسلامية موجودة فيها ومن جامعة معترف بها رسمياً وحاصلاً على تقدير لا يقل عن جيد جداً ولائق جسدياً ونفسياً.

# صعوبات وتحديات..

في حوار صحفي أجرته المجلة القضائية مع عميد المعهد العالي للقضاء القاضي الدكتور نضال شيخ عبيد تحدث فيه عن الصعوبات والتحديات التي تواجه سير عملهم في المعهد حيث قال: طبعاً توجد تحديات وصعوبات وهي عديدة فإحدى التحديات التي نواجهها في تنفيذ مهامنا هي قيود الميزانية المحدودة للمعهد، حيث تبلغ عشرة ملايين ريال شهرياً فقط، وهذا المبلغ لا يكفي لتلبية احتياجاتنا. فنحن نواجه صعوبة في تغطية تكاليف القضاة المحاضرين في الكادر التدريسي، حيث يعمل هؤلاء القضاة كمتعاقدين ومنتدبين من جامعات مختلفة مثل: جامعة عدن وتعز وحضرموت.

واضاف: كذلك نواجه صعوبات في عدم قدرتنا على توفير فرصة التدريب في النيابات والمحاكم لجميع الطلاب البالغ عددهم ثلاثمائة طالب، ولكي أضعك بالصورة فأن للميزانية تكاليف تتضمن بدفع الأجور التدريسية وإيجار المبنى وقاعات الدراسة والمكافآت الشهرية وأجور المشرفين والمناقشين الخارجيين وأجور المشرفين المدربين الميدانيين في المحاكم والنيابات هذا غير أننا نعاني من تأخر في دفع أجور المشرفين والمدربين لدينا في المحاكم والنيابات لمدة عامين، ولكننا تلقينا دعماً مالياً من وزارة العدل في العام الماضي وتمكنا من تقليص التأخير إلى عام واحد.

وأشار القاضي نضال إلى أنه يوجد نقص حاد في المواد القرطاسية والأدوات المكتبية وأجهزة الحاسوب، بالإضافة إلى عدم وجود تأثيث مناسب للمعهد كونه بوابة صنع القضاة. هذه التحديات تؤثر على سير العمل وتنفيذ المهام بشكل فعال.

# على الصعيد الدولي

أما لدينا إتفاقيات سابقة للتعاون مع معاهد قضائية في دول أشقاء مثل: المغرب والأردن ومصر، ولكنها لم تنفذ بسبب ظروف معظمها مادية. ولدينا اتصال مع معهد القضاء العراقي، ونأمل أن نستفيد منه في الابتعاث وغيره إذا توفرت الإمكانيات.

كما يوجد حالياً برنامج تدريبي مشترك غير مفعل مع المركز العربي للدراسات القانونية والقضائية في لبنان، وهو برنامج يتضمن غرفة تدريبية عن بعد باستخدام تقنية الزوم، وسيتم من خلاله تدريب بعض القضاة لدينا بعد تفعيله.

# أخيراً..

إن المعهد العالي للقضاء وهو يواصل القيام بمهامه مقبل على تحولات وتحديات كبرى تتطلب منه تجديد الوعي المهني للمؤسسة وصياغة التوجهات التي تتطلع للمستقبل برؤى تجديدية، لضمان جودة التكوين الأساسي، والارتقاء بمستوى التكوين المستمر والتكوين التخصصي وتفعيل التكوين في الإدارة القضائية، وتوسيع التكوين المتخصص لضمان الاحترافية وتحقيق التميز. مما سيساهم لامحالة في توفير خدمة قضائية جيدة.

في الأخير نأمل أن يحظى المعهد بالإحترام الذي يستحقه كمؤسسة تعليمية للقضاة في المناطق المحررة، ونطالب بدعمه من قبل المجلس القضائي الأعلى ووزارة العدل والحكومة الشرعية. 

فالمعهد مرفق حكومي مهم لتعزيز القضاء ونثق بالقيادة السياسية بأن تلتف إليه.