دموع الجد وسبطه ؟ 

 
في كل صباح وأثناء خروجي 
 من المنزل غالبا أجد طفلا عمره لا يتجاوز السنوات العشر ، يحمل على ظهره كيسا يجمع فيه علب البلاستيك ، حافي القدمين يدور 
في حارتي والحارات المجاورة  ، 
و يتحرك ، يدنو الى جمع كل البلاستيك بمختلف أنواعه  ، 
 اقتربت منه ودعوته سائلا :

لماذا لا تدرس ؟
فأجاب لم تعد الدراسة حقا لنا فنحن غير قادرون دخول المدارس الخاصه وحتى المدارس الحكوميه فامكاناتنا وحاجة أسرتي لا تكفل لي الالتحاق بالمدارس .

 ولماذا تقوم بجمع البلاستيك ؟
فأجاب أقوم بجمع البلاستيك 
 حتى أوفر قيمة الخبز فقط لاسرتي . 
 وكم تحصل باليوم من تلك المهنة ؟

في أفضل الايام أحصل على مبلغ لايتحاوز الخمسمائة ريال باليوم . 

وما الذي يثير اهتمامك عندما ينظر اليك الناس ، وبماذا تفكر ؟ أجاب الطفل :
لم يعد هناك ما يثير أهتمامي 
 فاغلب الناس اصبحت محتاجة إلا أن هناك من لايستطيع الخروج إلا 
أنني مضطر للقيام بذلك.
  ولم يعد لدينا ما نفكر فيه فالإيام أصبحت لدينا متساويه ننام مع غروب الشمس ونصحو مع اذان الفجر لانه لايوجد لدينا إضاءة ولا حتى دورات مياه .وأدعو الله ، ان يعينني على رعاية والدتي واخواني فأبي توفي بعد أن طلق أمي ولم يستطع ذلك الطفل أخفاء دموعه
 ولا حتى استكمال الحديث   ..
وبعد أن أستوقفتتي نباهته 
 وسلاسة ردوده ومنطقه 
اخذت بيده مقبلا جبينه ودخلت دكانا يقع بحارتي وقريبا من منزلي ، وطلبت من البائع ان يعطيه مايريد بعد أن رجوته بأن لا يخجل 

ففاجئني قائلا يكفيني أن تساعدني بعلاج جدي والد أمي مكتفيا بأخذ قارورة ماء ..
البائع احضر الماء إلي جانب بعض الماكولات دون أن ياخذ الثمن وفي نفس الوقت كانت هناك مياه سبيل فطلب العامل بالدكان من الولد أن يغسل يديه ورجليه ليتسنى له أكل بعض ما تم منحه ولبس حذاء أهداه له .
وهناك وجدت صديقا قام بأحضار بعض الخبز ( الكدم )  ، اخذ البعض منها وربط ماتبقى بكيس وأعطاه لذلك الطفل ومنحه بعض النقود ومسح على رأسه ، 

وقال له :
لا تخجل واذا احتجت خبزا تستطيع ان تطلبه من الدكان وأنا أقوم بتسديد قيمته ، وأن تبلغ والدتك بذلك..
وادار الرجل ظهره ليذهب ، فخاطبه الطفل وأمسكه مقبلا يده ورمقنا جميعا بعيون ممتنه ودامعة مؤكدا  : أنني اقوم بجمع البلاستيك وشراء الخبز ( الكدم ) ومانحتاجه هو الماء للمنزل واذا وجد ليس لدينا خزان بالاضافه الي من يتكفل بتوفير مادة الغاز ومساعدتنا على الإضاءة بالغرفة الوحيدة التي نتواجد بها  

- وذلك مانحتاج إليه  ؟..
 
كان الموقف صعيبا وخصوصا عندما صادف لقائنا بذلك الطفل مع مرور جده وبالرغم من تقدمه بالعمر الا أن هيئته نظيفه وغالبا غير غريبه فغالبا ما نجده بجامع الحاره من وقت لآخر . 

ولفت نظري استغرابه تواجد 
 الطفل بذلك المكان محاطا 
بي إلي جانب صديقي . 

فقلت له مرحبا اليس هذا حفيدك . فقال لا . هذا سبطي وابن أبنتي . ولكن لماذا يتواجد بالدكان . فقلنا لشراء بعض ماتحتاجه أمه وأخوته .
فقال . ومن اين له المال 
فقلنا . من عمله طوال اليوم 
فقال . مايكسبه لا يشبع أسرته خبزا وهو لا يستطيع أن يشترى شيئا خلاف ذلك فاشباع أمه وأخوته 
أهم من شراء شيئا آخر اتركوه لشأنه ليقوم بعمله متدبرا حال اسرته فأخوته بانتظار وصوله ولولاه لايستطيعون توفير حتى قوت يومهم .وذرفت الدموع في عينيه دون أن يستطيع أكمال حديثه .

من جهتنا لم نكن أكثر تماسكا منه فقد ذرفت دموع الجميع بما فيهم ذلك الطفل الذي كانت معالم الاسى والحسرة ظاهرة على مظهره وتقاطيع وجهه ويضاف إليها دموعه التي تركت أثرا على جبينيه التي سبق لها وأن أمتلأت بالغبار أثناء قيامه بتجميع البلاستيك .

  حسبنا الله ونعم الوكيل ،،