الشيخ محمد علي ياسر: حكيم المهرة الذي يمسك عصا التوازن من الوسط   



في عصر تتصارع فيه الأجندات وتتصادم المصالح، تبرز قيادات تستطيع أن تحول منطقة التوتر إلى فسحة للاستقرار، وأن تحيل التعقيد إلى انسجام. في هذا السياق، يصبح محافظ المهرة الشيخ محمد علي ياسر نموذجاً فريداً للقائد الذي يجيد فن "المشي على شعرة معاوية"، ممسكاً بعصا التوازن من وسطها، حامياً محافظته من مزالق الصراع المسلح، موجهاً سفينتها بين أمواج التحديات بعبقرية سياسية نادرة

لم يكن التوازن الذي يحافظ عليه الشيخ ياسر مجرد حالة سلبية أو حياد متحفظ، بل هو توازن ديناميكي نشط، يشبه مهارة بهلوان يمسك بعصا طويلة على حبل رفيع، يعدل وزنه وحركته باستمرار كي لا يسقط.

 في مشهد سياسي وعسكري معقد تشهده المهرة، نجح المحافظ في تجنيب المحافظة مخاطر الانزلاق نحو صدام مسلح مفتوح، بالرغم من الضغوط المتعددة والتداخلات الخارجية

لقد أدرك ياسر أن المفتاح ليس في الانحياز لفصيل على حساب آخر، بل في خلق حالة من "الضغط المتوازن" على جميع الأطراف، بحيث يصبح الخروج عن الإطار العام المتفق عليه مكلفاً للجميع. 

هذه الإستراتيجية الذكية حوّلته من مجرد حاكم إداري إلى حكيم وسيط، ومرجعية تلجأ إليها الأطراف المختلفة طوعاً لا كرهاً

والأكثر إعجازاً في أداء الشيخ ياسر هو قدرته على "ترويض" التناقضات وتوجيهها نحو مسارات بناءة

 فبدلاً من الاصطدام مع القوى المختلفة، عمل على احتواء الجميع ضمن خيمة واحدة واسعة، جاعلاً من نفسه "عمود الخيمة" الذي يرتكز عليه الجميع

هكذا نجح في أن يكون المظلة التي تجتمع تحتها القوى السياسية والعسكرية والقبلية، دون أن تذوب خصوصياتها، لكن ضمن إطار المصلحة العليا للمحافظة

هذه الحنكة الإدارية مكنته من "مسك كافة خيوط اللعبة" في المهرة، خيوط قد تبدو متضاربة للوهلة الأولى: الخيط السياسي بكل تعقيداته، والخيط العسكري بحساسيته القصوى، والخيط القبلي بتراثه وتقاليده العميقة. 

جمعها جميعاً في نسيج واحد متماسك، يحقق الاستقرار دون إلغاء الاختلافات

كما ان أهم السمات المميزة لقيادة الشيخ ياسر هي براعته في "التقاط اللحظة المناسبة"، تلك المهارة التي تفصل بين السياسي العادي والقيادي الاستثنائي.

 فهو يتحرك ليس عندما يجبر على الحركة، بل عندما تكون الظروف ناضجة للتدخل، عندما يمكن للكلمة الواحدة أن تمنع ألف صدام، وللمبادرة الصغيرة أن تفتح آفاقاً واسعة للحلول

هذه الحكمة المنقطعة النظير جعلت منه لاعب شطرنج متمرساً، يقرأ اللوحة السياسية بعمق، ويتحرك بذكاء لاحتواء الأزمات قبل تفجرها، ويبني التحالفات قبل الحاجة إليها، ويحافظ على علاقات متوازنة مع جميع الفاعلين على الساحة المحلية والإقليمية

قصة نجاح الشيخ محمد علي ياسر في إدارة وقيادة محافظة المهرة تقدم دروساً ثمينة في فن القيادة المتوازنة في أوضاع معقدة. 

فهي تثبت أن الحكمة ليست في الانتصار لفصيل على آخر، بل في رفع الجميع فوق الخلافات. وتؤكد أن القوة الحقيقية ليست في التصادم، بل في التحكم بوتيرة وتوجه التفاعلات

في زمن يعاني فيه الكثير من المناطق من ويلات الصراع، تبقى تجربة محافظ المهرة نموذجاً يستحق الدراسة والاحتفاء، دليلاً على أن "شعرة معاوية" لا تزال يمكن السير عليها بثبات، إذا ما توفرت الحكمة والإرادة والرؤية الثاقبة.

 الشيخ ياسر لم يحافظ على استقرار المهرة فحسب، بل قدم نموذجاً للقيادة المتوازنة التي تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم، وتوازن بين جميع الأطراف دون أن تفقد بوصلة المصلحة العليا للوطن