المواجهة بين الحوثي وأمريكا وإسرائيل حقيقة أم تخادم؟
منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015، تعقدالمشهد السياسي والعسكري في المنطقة، وتداخلت فيه حسابات محلية وإقليمية ودولية، ومع تصاعد الهجمات الحوثية على السفن التجارية في البحر الأحمر، برز تساؤل جوهري لدى الكثيرين: هل ما يجري هو مواجهة حقيقية بين الحوثيين من جهة، وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، أم أنه مجرد تخادم وتبادل أدوار يخدم مصالح خفية؟.
أولًا: ملامح المواجهة الظاهرة
لا شك أن الحوثيين رفعوا شعارات معادية لأمريكا وإسرائيل منذ تأسيس جماعتهم، متبنين خطاب “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل”، كما نفذوا عدة هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر بدعوى دعم فلسطين، ما أدى إلى ردود أمريكية عبر ضربات جوية لمواقع قال البنتاغون إنها تابعة لقدرات الحوثي الصاروخية والطائرات المسيرة..
لكن رغم هذه “الاشتباكات” العلنية، تظل هناك أسئلة مشروعة:
•لماذا لم تستهدف قيادات الحوثيين بشكل مباشر؟
•لماذا تتركز الضربات على بنى تحتية في مناطق فقيرة أصلاً؟
•لماذا تستمر الحرب بينما الحوثي يحكم قبضته على صنعاء بلا منازع حقيقي؟
ثانيا: لماذا لم تستهدف قيادات الحوثيين؟
في أي حرب أو مواجهة عسكرية تقليدية، يكون استهداف القيادات العسكرية والسياسية من أولويات الاستراتيجية الهجومية، لكن في حالة الحوثيين:
•لا نرى أي محاولات جدية لتصفية أو حتى تقويض القيادة الحوثية العليا.
•الردود الأمريكية والإسرائيلية – حتى الآن – تبدو رمزية أكثر منها فعالة.
•يطرح تساؤل عما إذا كانت هذه الضربات تهدف فقط إلى “إبقاء التوتر تحت السيطرة”، دون السعي لحسم فعلي..
وهنا تنشأ نظرية “التخادم”، والتي تقول إن استمرار وجود الحوثيين يخدم توازنات معينة:
•أمريكيا: بقاء التوتر في البحر الأحمر يعطي واشنطن ذريعة للتمدد عسكريًا في المنطقة.
•إسرائيليا: التركيز على خطر الحوثي يحرف الأنظار عن الانتهاكات في غزة، ويستخدم كحجة لتوسيع نطاق الصراع..
ثالثًا: لماذا تستهدف البنية التحتية للمواطن اليمني؟
المواطن اليمني، في أغلب المناطق، يدفع الثمن الأكبر:
•تستهدف الطرق، محطات الوقود، مراكز الاتصالات، مما يزيد المعاناة المعيشية.
•لا يرافق هذه الضربات أي مشروع سياسي يضمن انتقالا سلميا للسلطة أو تحرير المناطق من قبضة الحوثي.
•يتحول المواطن اليمني إلى ضحية بين فكي كماشة، سلطة أمر واقع في الداخل، وضربات خارجية لا تفرق بين مدني وعسكري..
هذا يعزز فرضية أن الهدف ليس القضاء على الحوثي، بل إدامة الفوضى، وضمان أن يبقى اليمن ساحة استنزاف طويلة المدى ويدفع إلى تساؤلات جوهرية:
•هل هناك توافق دولي ضمني على ترك اليمن مقسمًا؟
•هل يخدم استمرار الحوثي أهدافا تتعلق بالضغط على السعودية من جهة، وحجة لإسرائيل لتوسيع نطاق الصراع من جهة أخرى؟
•هل اليمن مجرد ساحة تصفية حسابات إقليمية لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية أو بمستقبل الشعب اليمني؟
خاتمة: مواجهة أم تخادم؟
الجواب على هذا السؤال لا يمكن أن يكون أبيض أو أسود، ما يجري على الأرض قد يحمل في طياته ملامح من الاثنين معًا: فالمواجهات قد تكون حقيقية في بعض مظاهرها، لكنها – في جوهرها – مدروسة ومضبوطة ضمن حدود تخدم اللاعبين الكبار..
اليقين الوحيد هو أن اليمني البسيط وحده من يدفع الثمن، وأن اليمن – بكل تاريخه وحضارته – ما يزال مخطوفًا بين قوى لا ترى فيه سوى ورقة في صراع أكبرمنها ومنه..