الذكرى الثانية والستين لثورة أكتوبر المجيدة .. محطة لاستحضار الدروس والعبر د. محمد سعيد الزعوري


الذكرى الثانية والستين لثورة أكتوبر المجيدة ..
محطة لاستحضار الدروس والعبر

د. محمد سعيد الزعوري

بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة 1963م ، حق علينا أن نقف وقفة إجلال وإكبار أمام تلك الملحمة الخالدة التي سطرها أبائنا وأجدادنا في الجنوب العربي بالإرادة والصبر والثبات والتضحيات الجسيمة ، لتحقيق الاستقلال واستعادة الهوية والكرامة من براثن الاحتلال البريطاني الذي امتد لما يزيد عن القرن ونيف . 

 لقد كانت جبال ردفان الشماء وشعابها مسرحا حيا تجسد فيها تلاحم فئات الشعب الجنوبي بأكمله لتفجير ثورة تحررية حمل لواءها رجال آمنوا بالحرية .. فساروا على دربها حتى تحرير الجنوب ونيل استقلاله الناجز في الثلاثين من نوفمبر 1967م .

إننا اليوم في ذكراها الثانية والستين ، لا نستحضر حدثا تاريخيا عظيما انقضى .. وطويت صفحاته في بطون الكتب والمجلدات ، بل نستلهم دروسا وعبراً .. وروحًا ثورية متجددة ، وعهدًا متصلا بين الأجيال لا ينضب معينه ، ولا يتوقف مدده طالما وأسباب بقاءه حاضرة فينا ، تتجلى في تطلعات شعب يرى فيه الملاذ الأخير للخلاص من الاحتلال الجديد والمتجدد .. عهدا يوحد الكلمة والصفوف لتصبح فعلا مستمرا لا ينقطع .. تُستدعى من خلاله كل الممكنات لإعادة بناء الروح الجنوبية على قيم الثورة وهويتها المسلوبة .. وتحديث سرديتها الحقيقية المستوحاة من أرث الأباء والأجداد الأفذاذ ، واستنهاض الهمم المكبوتة  .. وحشد الطاقات للسير في خطا ثابتة للخلاص من الأسر والفكاك من أغلال الخطيئة التاريخية بحق شعبنا المكافح .

إننا وبعد عقدين من الجور والقهر والحرمان والاغتراب – وحدة الشؤم - مازلنا نلوك الذكرى بمرارة الفقد  ولسعة الوجع والحنين مكاسبا وطنية حققتها ذات يوم دولتنا الفتية ، فنال الناس بمختلف فئاتهم ومشاربهم الفكرية والثقافية حضهم من الخدمات المجانية كالصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية للمرأة والاطفال وكبار السن وذوي الإعاقة  ، ووفرت الدولة الوظائف وفرص العمل للشباب في مؤسسات الدولة العامة والمختلطة والقطاع الخاص ، وساد الأمن والأمان والعدل في كل ربوع الوطن الحبيب ، وبنيت المؤسسات والمنشأءات والمصانع والمزارع .. وتكامل الجميع على صعيد واحد ليبنوا بلدا حرا كريما على أنقاض قرن ونيف من الاحتلال البغيض ليغدوا في وقت قصير أمة بارزة بين الأمم .. وها نحن اليوم نستجر الماضي ونستعيد استحضار مكونات الصورة المفككة بحمل ثقيل من الحسرة وتأنيب الضمير لضياع ثورة ومنجزاتها " بجرة " قلم مرتجلة مبهمة غامضة غيرت مسار التاريخ والأحداث .. وعصفت بشعبٍ ودولته ومكتسباته الى عالم المجهول .. في زمن توشح السواد ساقت ملامحة الغريبة رياح الفكر القومي المؤدلج العابر للحدود ، فتلاشى الحلم وحلت  المأساة وتراجيديا الضياع المرير .

واليوم ونحن نقف على أعتاب مرحلة فارقة في تاريخنا المعاصر يحتم علينا أن نكون عند مستوى التحدي لخوض غمار المستحيل بلا تردد ، نستلهم من ذكرى ثورتنا المباركة قيم المقاومة والجهاد التي خاضها شعبنا منذ فجر الثورة حتى نيل الاستقلال الأول .. ونحافظ على ما تبقى من إرثها الخالد ..  فالحرية لم تهدَ يوما على طبق من ذهب بالتمني والاحلام ، بل تنتزع بالإرادة الواعية المستندة لقوة الحق من بين أنياب الظلم والاستبداد ، وفي درب حريته دفع شعبنا ثمنا باهظا من الدماء الزكية التي روّت تراب الجنوب العربي طولا وعرضا حتى اليوم.. 
نتذكر إن شعبنا قدم  آلاف الشهداء والجرحى والمعاقين ، فداءً للوطن ، وما زال يقدم كل يوم قوافل من الشهداء في محراب حريته .. وكل قطرة دم أريقت وتراق على ثرى الجنوب لهي  مشعل نور يضيء ملامح مستقبل حريتنا حتى إنهاء الاحتلال وإعلان دولة الجنوب العربي الفيدرالية المستقلة على كامل التراب الوطني الجنوبي .

إن استحضار وإحياء مآثر ذكرى ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة سنويا  ليس للاستعراض والتغني العابر فحسب ، بل هي وقفة للتأمل واستخلاص العبر .. بأن وحدة الصف وقوة الإرادة هما سلاح الشعوب في معارك المصير .. فقد انتصر أباءنا لأنهم كانوا جسدا واحدا.. جعلوا الكرامة أغلى من الحياة .. وفضلوا الموت مرفوعي الراس منتصبي القامة على أن يعيشوا حياتهم راكعين .. " وما نيل المطالب بالتمني .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا ".

فليكن احتفاؤنا بالذكرى الثانية والستين تجديدًا للعهد، عهد الولاء للوطن، والوفاء للشهداء، والعمل الدؤوب لبناء غد أفضل يجسد قيم الثورة الخالدة .. قيم الحرية ، والعدالة، والكرامة الإنسانية ، وتأكيد استمرار المشروع التحرري الجنوبي .. وتجديد وحدة الهدف الجنوبي في استعادة الدولة بكامل سيادتها على حدودها التاريخية قبل العام 1990م تحت راية الجنوب العربي ، وبقيادة المجلس الانتقالي الجنوبي المظلة السياسية الجامعة لشعب الجنوب من المهرة شرقا الى باب المندب غربا . 
تحية إكبار وإجلال لأرواح شهداء ثورة الرابع عشر من أكتوبر الخالدة .. وشهداء الحراك السلمي الجنوبي والمقاومة الجنوبية الباسلة التي أفشلت المشروع الفارسي في المنطقة ، وتطهير الأرض الجنوبية من دنس الغزو الحوثي وميليشياته الارهابية .. 

لنجعل هذا اليوم منصة لنقل الصورة الحضارية للرأي العام الاقليمي والدولي وتأكيد وحدة الصف الوطني  الجنوبي .. ورفض مشاريع الهيمنة والتقسيم وإذكاء الصراعات الداخلية .. ومخاطبة العالم الحر للوقوف الى جانب مطالب الشعب الجنوبي وحقه في الحرية ونيل الاستقلال وتقرير مصيره ليعيش بأمن وكرامة أسوة ببقية شعوب العالم .

الرحمة والخلود لشهدائنا الأبرار .. الحرية والاستقلال لشعبنا الجنوبي
وثورة .. ثورة حتى النصر 
وكل عام وشعبنا الجنوبي بألف خير .