علامَ يراهن "عيدروس الزبيدي"؟

أكثر ما شغل وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، كانت تصريحات نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الفريق أول عيدروس الزبيدي، الذي يواصل الدفع بخياراته السياسية والعسكرية نحو العاصمة صنعاء، في محاولة لاستعادتها من قبضة الأذرع الإيرانية.

الزبيدي الذي سبق أن أبدى رغبة في إقامة علاقات مع إسرائيل ضمن اتفاقيات "إبراهام"، مشروطة بقيام دولة فلسطينية وفقًا لمبادرة السلام العربية التي طرحها الملك فهد بن عبدالعزيز مطلع ثمانينيات القرن الماضي، عاد اليوم ليطرح رؤية أكثر جرأة تتحدث عن قيام دولة "الجنوب العربي"، تشمل أجزاءً من محافظتي مأرب وتعز الواقعتين في شمال اليمن.

هذه التصريحات مثّلت أول مناورة سياسية من نوعها، قد تهدف إلى تسريع المسار السياسي والعسكري نحو صنعاء، واستثمار اللحظة الإقليمية لإعادة تشكيل موازين القوى على الأرض. لكن السؤال الأهم: هل باتت الظروف الإقليمية والدولية مواتية لمعركة يمنية تنتزع صنعاء من قبضة النفوذ الإيراني؟

قد تبدو المهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة. فالقوى السياسية والعسكرية التي جرى إعدادها لتكون البديل عن الحوثيين بعد إخراجهم من صنعاء، تتخذ من ميناء المخا مركزًا لنشاطها السياسي والعسكري، وهي اليوم نقطة الارتكاز الرئيسية لأي عملية قادمة نحو العاصمة.

غير أن تصريحات "الزبيدي"، التي تُوحي بقيام كيان "مذهبي" يفصل بين اليمنيين الشوافع والزيود، تثير تساؤلات حول إمكانية نجاح مثل هذا التصور، خصوصًا أن كثيرًا من رموز وقادة الشرعية اليمنية ينحدرون من الهضبة الزيدية أو من قبائلٍ حافظت على علاقاتٍ متوازنة مع الحوثيين، وربما تمتلك القدرة على إعادة صياغة مواقف تلك القبائل في اللحظة المناسبة.

ولذلك، فإن فكرة قيام دولة ذات طابع مذهبي تبدو غير واقعية، حتى وإن تم التلويح بها منذ أبريل 2022، حين نُقلت السلطة من الرئيس عبدربه منصور هادي إلى مجلس قيادة رئاسي يمثل القوى الفاعلة في المناطق المحررة، كان شعار هذا المجلس الدخول في تفاوض مع الحوثيين، وفقا لمبادرة سياسية طبخت في سلطنة عمان.

السؤال الأهم هنا: هل يراهن "الزبيدي" على قيام تلك الدولة الجديدة فعلًا؟ أم أن تصريحاته تندرج ضمن إطار المناورة السياسية لفرض شروط تفاوضية تتصل بحدود جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية السابقة؟

الراجح أن الزبيدي يسعى إلى إعادة تعريف حدود الجنوب انطلاقًا من معطيات سياسية وأمنية واقتصادية جديدة، فالرجل تحدث عن "رغبة يمنية" في الانضمام إلى الجنوب العربي، في إشارة إلى مكونات وقبائل يمنية عانت التهميش أو القمع من قبل جماعات مسلحة، بعضها مرتبط بجماعة الإخوان في مأرب.

تصريحات الزبيدي لا يمكن قراءتها بمعزل عن سياقها الإقليمي والدولي. فالرجل الذي يُوصف بأنه "زعيم الحركة الجنوبية" يتعامل مع الواقع الجديد بشيء من البراغماتية، ساعيًا إلى التحرر من القيود السياسية التي قد تُعيق مشروعه في استعادة دولة الجنوب.

لكن المشهد في حضرموت يبدو أكثر تعقيدًا؛ فالمحافظة الغنية بالنفط تشهد تصعيدًا سياسيًا واسعًا، وتتحرك فيها قوى يمنية محلية مدعومة من أطراف إقليمية، شكلت مؤخرا تحالفًا مع السلطة المحلية بقيادة المحافظ مبخوت بن ماضي، في مواجهة تمدد المجلس الانتقالي الجنوبي.

وعلى الجانب الآخر، بات من الممكن أن الطريق إلى "يمن بلا حوثيين" ما زال ممكنًا، فالقوى اليمنية المناهضة للمشروع الإيراني تمتلك القدرة على شن معركة حقيقية، مستفيدة من حالة الضعف التي يمر بها النظام الإيراني بعد سلسلة الضربات القاصمة التي تلقاها خلال العام الجاري، بدءًا من مقتل الرئيس السابق إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته، مرورًا باغتيال القيادي الفلسطيني إسماعيل هنية، وصولًا إلى استهداف أبرز قادة حزب الله في لبنان، وعلى رأسهم حسن نصر الله، ناهيك عن حرب الـ12 يومًا، والتي أدت إلى انهيار منظومة أمنية كانت تُعد أحد أهم أذرع إيران في المنطقة.

هذه التطورات جعلت طهران في أضعف حالاتها منذ عقدين، فيما بات الحوثيون آخر أوراقها الباقية في اليمن.

من هذا المنطلق، يمكن قراءة تحركات الزبيدي بوصفها جزءًا من محورٍ غربيٍّ يرى أن التخلص من الحوثيين بات ضرورة أمنية واستراتيجية، لكنّ الجنوب الذي يسعى الزبيدي إلى ترسيخ هويته لا يزال ساحةً لتقاطع المشاريع الإقليمية، خصوصًا بين السعودية وسلطنة عُمان. فبينما تتحرك الرياض بخطةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ جديدة في حضرموت والمهرة، تستند هذه التحركات إلى دعم قوى قبليةٍ محلية ترتبط بتحالفاتٍ وثيقة مع مسقط.

لكن حديث الزبيدي عن ضم أجزاء من مأرب إلى الجنوب قد يفتح الباب أمام اصطفافات جديدة في المحافظة التي تُعد الأغنى بالغاز والنفط، ويشجع بعض القبائل على مراجعة مواقفها تجاه جماعة الإخوان التي تمسك بمفاصل السلطة هناك.

أما في تعز، فالوضع أكثر هشاشة، إذ تواجه المدينة حصارًا مزدوجًا من الحوثيين خارجها وجماعة الإخوان داخلها، ما جعلها غارقة في الفوضى منذ أكثر من عقد.

لا يبدو أن الزبيدي يسعى إلى القفز على الواقع، بقدر ما يراهن على متغيرات دولية تتشكل سريعًا، أبرزها الموقف الأمريكي المتشدد تجاه الحوثيين، والضغط المتزايد على إيران بعد انكشاف أذرعها.

وفي هذا السياق، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تأكيد حضوره في حضرموت من خلال تظاهرة مرتقبة منتصف أكتوبر الجاري، لا تُعد مجرد حشد جماهيري، بل رسالة سياسية مفادها أن الجنوب ماضٍ في مشروعه، وأن حضرموت جزء أصيل من هذا المسار.

مع ذلك، يواجه المجلس تحديات داخلية مرتبطة بضعف "سلطة القرار" في بعض المحافظات، خصوصًا في حضرموت، حيث يبرز غياب شخصيات مؤثرة من طراز اللواء أحمد سعيد بن بريك، الذي كان لعودته إلى المكلا في أبريل الماضي أثر سياسي واضح أعاد رسم موازين القوى في المحافظة.

اليوم، يعتمد المجلس الانتقالي الجنوبي على قياداتٍ محليةٍ وشخصياتٍ اجتماعية تمتلك قاعدةً شعبية، لكنها تفتقر إلى الوزن السياسي الذي تحتاجه حضرموت في هذه المرحلة الدقيقة. لذلك، فإنّ ملف حضرموت سيكون أكثر نجاحًا إذا ما أُسند إلى قيادةٍ حضرمية من وزن اللواء أحمد سعيد بن بريك أو الفريق أول فرج سالمين البحسني.

فالرجلان، وهما نائبان لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، يمتلكان قدرةً كبيرةً على إعادة توحيد القوى السياسية في حضرموت، بما يضمن تحقيق التنمية الاقتصادية والمعيشية، ومعالجة كثيرٍ من القضايا التي تحاول بعض القوى توظيفها في صراعٍ سياسي ذي أبعادٍ إقليميةٍ تتعارض مع الرغبة الشعبية للسواد الأعظم من أبناء حضرموت والمهرة وشبوة.

#صالح_أبوعوذل