اسـتعادة الدولـة اليمـنية "مـشروع عـمل لا خـطاب"
منـذ انـدلاع الحرب في اليمن عام 2015، دخلت الدولة في حالة من الشلل والركود المؤسسي، حتى غدت مؤسساتها بلا روح، وأجهزتها بلا فاعلية، وكأنها توقفت عن ممارسة أبسط أدوارها في خدمة المواطن وحماية المجتمع.
لـقد تآكلت هياكل الدولة تحت ضربات الحرب والانقسام، فيما وجد المواطن نفسه في مواجهة مصير مجهول، بلا راتب ولا خدمات ولا أفق سـياسي واضـح.
إن الركـود المؤسسي الذي أصاب أجهزة الدولة لم يكن قدرًا محتومًا، بقدر ما كان نتيجة مباشرة لتغليب المصالح الضيقة على حساب المصلحة العامة، ولغياب الرؤية الوطنية الجامعة التي تعيد للمؤسسات الرسمية دورها ومكانتها.
وفي ظل هذا الوضع، أصبحنا أمام خطر حقيقي يتمثل في فقدان هيبة الدولة، وتحولها إلى مجرد عنوان فارغ لا يملؤه الفعل ولا يصدقه الأداء.
اليـمن اليوم بحاجة إلى عمل جاد على الأرض، لا إلى خطابات جوفاء ولا إلى وعود مؤجلة؛ عمل يعيد الاعتبار للمؤسسات، وينفض عنها غبار الركود، ويستنهض قدراتها الكامنة.
إن إعـادة تفعيل المؤسسات لا تتطلب معجزات، بقدر ما تتطلب إرادة سياسية واعية، وإدارة رشيدة تدرك أن الدولة لا تُبنى بالارتجال ولا تُدار بالمحاصصة، بل تقوم على التخطيط والانضباط واستثمار الطاقات الوطنية.
وهـنا لا بـد من الالتفات إلى الكفاءات الوطنية التي أثبتت قدرتها في الداخل والخارج على إدارة الملفات الكبرى بكفاءة ونزاهة؛ فالمعضلة لم تكن يومًا في غياب الرجال أو العقول المؤهلة، وإنما في إقصائهم وتهميشهم لحساب الولاءات الضيقة، فغابت الكفاءة، وحضر الفساد، وتعطل العمل المؤسسي.
إن اسـتعادة الدولة اليمنية تبدأ من إعادة الثقة بمؤسساتها، وبمن يقودها من أبناء الوطن الأشد إخلاصًا وخبرة؛ ولا سبيل إلى ذلك إلا بفتح الأبواب أمام الكفاءات الوطنية، ومنحها فرصة إعادة ضبط إيقاع العمل المؤسسي على أسس صحيحة، بعيدًا عن العبث والشللية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه.
اليـمن لـن ينهض بخطوات مترددة ولا بأفكار مجتزأة، بل بعمل وطني حقيقي على الأرض، عمل يستند إلى مشروع جامع، وإلى عقول نيرة تدرك أن إنقاذ الدولة هو إنقاذ للوطن بأسره.
وحـين تعود المؤسسات إلى أداء دورها بكفاءة، وحين يصبح العمل المؤسسي هو القاعدة لا الاستثناء، سيتغير وجه اليمن، ويعود الأمل في استعادة الدولة التي تليق بها وبشعبها.
إن اللحـظة التاريخية التي نعيشها ليست للمشاهدة ولا للانتظار، بل هي دعوة للفعل؛ فـكل خطوة نحو إصلاح مؤسسة، وكل كفاءة تعود إلى موقعها، وكل قرار يُتخذ لصالح المصلحة العامة، هو لبنة في صرح الدولة المنشودة.
إذن؛
فـالمعادلة واضحة: لا حياة لليمن بلا دولة، ولا حياة للدولة بلا مؤسسات، ولا حياة للمؤسسات بلا كفاءات.
هـذا هـو الطريـق الوحيد الذي لا طريق سواه؛ طريق يتطلب شجاعة الاعتراف بالأخطاء، ونبل تجاوز الخلافات، وحكمة توظيف الطاقات.
إنـه المـشروع الوطني الأعـظم الذي يجب أن يعلو فوق كل المشاريع الضيقة؛ فـإما أن نعمل معًا لنسلم لابنائنا وطنًا قائمًا بذاته، ذا سيادة وهيبة، وإمـا أن نستسلم للانهيار، فنكون أمام مسؤولية تاريخية أمام الأجيال القادمة، لا تُغتفر.
د. هـاني بن محمد القاسمي
عـدن: 6. أكتوبر. 2025م
.