‏الذكرى العاشرة لثورة الزرانيق: بين ملحمة التاريخ وأنانية اللحظة في الخطاب ...

احياء الذكرى العاشرة لثورة الزرانيق في الساحل التهامي لم يكن مجرد مناسبة تهامية نضالية عابرة بل استدعاء لذاكرة الأرض والإنسان ولحمة عظيمة صنعتها دماء الاجداد وصوت الارض وهي تهتف في وجه الطغيان. فهي ملحمة تجسد كيف استطاع الزرانيق ان يتحولوا من قبيلة تقاتل دفاعا عن ارضها الى رمز خالد للمقاومة التهامية ورمز للكرامة التي لا تشترى ولا تباع. فقد كانت ثورتهم درسا في الصمود والوحدة، درسا في ان الارض اذا نادت فان ابنائها يتسابقون للفداء. ولهذا فان كل احتفاء بذكرى الزرانيق يجب ان يكون بحجم الملحمة وان يترجم الى خطاب جامع يربط بين الماضي والحاضر ويجعل من التاريخ وقودا للحاضر ورافعة للمستقبل.

لكن ما حدث في الاحتفالية الاخيرة في الساحل التهامي حمل بعض من الملاحظات والانانية المفرطة في النخبوي التهامي والتي لا يمكن ان تمر دون وقفة جادة اجرد القلم للكتابة عنها. وكان يفترض ان تتحول المناسبة الى منصة جامعة تعيد الاعتبار لذاكرة النضال التهامي وتربطها بالحاضر بكل تعقيداته وتحدياته. غير ان الحسابات الضيقة طغت على المشهد في بعض اللحظات ففقدت المناسبة بعضا من بريقها وخرجت عن المعنى الذي كان يجب ان تحمله.

فالحراك التهامي رغم ما يمر به من ظروف صعبة بعد رحيل القائد الشهيد عبدالرحمن حجري أيقونة النضال التهامي، ورغم حالة الارتباك التي يعيشها والتحديات الناتجة عن الانتقال من العمل الثوري الى المؤسسة وحالة التقوقع والفئوية والشللية وغياب الرؤية والتي تتجلى من خلال اعلان المكتب السياسي اشهار مسمى دون مسميات، سيظل وسيبقى الامتداد الطبيعي لروح المقاومة التهامية. فهو لم يأت من فراغ بل جاء كتراكم لمسار طويل من النضال الثوري بدأه الزرانيق وواصلته تهامة في الكثير من المحطات وحمل رايته رجال المقاومة جيلا بعد جيل. ومن الخطأ الفادح ان يختزل او يتجاهل في مناسبة كهذه لان الاعتراف بالحراك التهامي ليس منة ولا مجاملة بل استحقاق تاريخي وواقعي واغفاله يعد انتقاصا من معنى المناسبة نفسها.

وعند هذه النقطة تتضح مكامن الخلل، فما حدث في كلمة العميد زايد منصر على وجه الخصوص لا يمكن تجاوزه. لقد القى خطابا كان ينتظر منه ان يحمل حرارة اللحظة وعظمة التاريخ لكنه جاء متناقضا في بنيته ومضمونه. فقد بالغ في الترحيب ببعض الاسماء التي لا تحمل اي رصيد نضالي ولا وزن تاريخي يذكر، وخصها بعبارات حارة تكاد ترفعها الى مقام لم تصل اليه يوما، بينما حين جاء ذكر الحراك التهامي وقياداته اكتفى بعبارات باهتة وباردة خالية من اي اعتراف او تقدير. هذا التجاهل لم يكن مجرد زلة عابرة بل موقفا واضحا يكشف عن انانية لا محل لها، وانانية لا يمارسها التهامي الا تجاه اخيه التهامي، بينما لا يستخدمها تجاه الهضبة الزيدية، واذا استخدم عبارات فتكون متواضعة تراعي الحساسية.

وكان على العميد ان يتذكر ان الحراك بكل ما له وما عليه يظل هو الامتداد الحي لروح النضال التهامي، وان الاعتراف به في مناسبة كهذه واجب اخلاقي قبل ان يكون واجبا سياسيا. وكان الاجدر به ان يستلهم من الشهيد القائد عبدالرحمن حجري الذي كان في كل خطاب ومقابلة يتحدث على ان الحراك التهامي امتداد طبيعي لملحمة الزرانيق ومحطات النضال التهامي، وكان يخاطب الناس قائلا يا احفاد الزرانيق يا احفاد احمد فتيتي جنيد، لانه كان يدرك ان التهامي لا يعلو الا باخيه التهامي، وان التاريخ لا يبنى على الاقصاء او التهميش بل على الاعتراف والوفاء.

ومع ذلك فان خطاب العميد زايد لم يسقط تماما، فقد انقذ نفسه في لحظة واحدة حين ذكر الساحل التهامي. تلك العبارة وحدها كانت كافية لتعيد التوازن الى خطابه وتحفظ له رصيدا تهاميا كاد ان يخسره بالكامل. فذكر الساحل التهامي لم يكن مجرد تفصيل صغير، بل كان كلمة وموقف، كلمة صنعت الفرق بين خطاب يسقط في العدم وخطاب يظل محتفظا بحد ادنى من القيمة. ولو لم يقلها لكانت تهامة قد سقطت من كلمته ولسقطت معها زرتوقيته ولظل خطابه مجرد قائمة اسماء خاوية بلا جوهر.

فذكر الساحل التهامي اعطى خطابه ما يحتاجه من ارتباط بالارض واثبت ان معدن التهامي الاصيل ما زال حاضرا فيه رغم كل ما شابه من اخطاء. وهي كلمة تحسب له لانها لم تربط المناسبة بالاشخاص فحسب بل بالارض والهوية التي صنعت كل هؤلاء. لكنها رغم ذلك لا تمحو حقيقة ان تجاهله للحراك وقياداته كان خطأ جسيما سيظل عالقا في ذاكرة المناسبة....