مـا بـعد تراجـع سعر الصرف "مسؤولية المجتمع أمام تعنّت التجار وارتفاع الأسعار" 

     مـع التراجـع الملحوظ في أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني في المناطق المحررة، كان من المتوقع أن ينعكس هذا التحسّن بصورة تلقائية على أسعار السلع والخدمات الأساسية، تخفيفًا عن كاهل المواطن الذي أُنهك بفعل سنوات من التقلبات الاقتصادية وغياب الرقابة.

     إلا أن الواقـع يشير إلى عكس ذلك؛ حيث لا تزال الأسعار على حالها، والتجار يتعاملون بلا مبالاة مع هذا التحول الإيجابي، ومنهم من يريد ولا يريد.

     هـذا المشهد يضع المجتمع أمام مسؤولية أخلاقية ووطنية لا يمكن التهرب منها، ويستدعي وقفة جادة من كافة أفراده للضغط من أجل تغيير حقيقي في السوق، وفي هذا السياق، تبرز جملة من المهام والواجبات التي ينبغي على المواطنين القيام بها:

1. رفع الصوت الجماعي:

     على أفراد المجتمع أن لا يكتفوا بالتذمّر الصامت، بل عليهم التعبير عن استيائهم من خلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، والبيانات المجتمعية، والحملات التوعوية، للفت انتباه السلطات إلى مظاهر الجشع التي يمارسها بعض التجار في ظل غياب المحاسبة.

2. المقاطعة الواعية للتجار المتعنتين:

     في ظل هذا التباين بين سعر الصرف وأسعار السوق، تبرز المقاطعة كأداة فعالة في فرض التوازن؛ يجب أن يتوحد المستهلكون لمقاطعة كل تاجر يرفض التماشي مع الواقع الجديد، ويفضل الاستغلال على الشفافية.

3. التفاعل مع الأجهزة الرقابية:

     لا يجوز أن تبقى الجهات المعنية بحماية المستهلك ومراقبة الأسعار مغيبة أو عاجزة؛ على المواطنين التعاون معها والإبلاغ عن المخالفات السعرية، ودفعها نحو أداء دورها بحزم ومسؤولية.

4. تعزيز الرقابة المجتمعية:

     إنشاء لجان شعبية رقابية في الأسواق والأحياء لمراقبة الأسعار والإبلاغ عن التلاعبات يمكن أن يشكل رافدًا مهمًا للدولة في ضبط الأسواق، كما يساهم في تعزيز الوعي المجتمعي بالحقوق والواجبات الاستهلاكية.

5. الضغط من أجل الشفافية الحكومية:

     وكما يُطلب من التجار خفض الأسعار، فإن على الدولة بدورها أن تبادر بخفض أسعار المشتقات النفطية، والرسوم الجمركية، والخدمات العامة، بما ينسجم مع التحسن الحاصل في سعر العملة؛ أي تأخير في هذا الجانب لن يفسّر إلا على أنه نوع من التواطؤ أو غياب الرؤية الاقتصادية.

6. إعادة تقييم رسوم المدارس الخاصة ورياض الأطفال:

     من غير المقبول أن تستمر المدارس الخاصة ورياض الأطفال بفرض رسوم مرتفعة على أولياء الأمور بحجة التكاليف والدفع بالعملة الأجنبية؛ يجب أن تُقر رسوم هذه المؤسسات وفق الواقع الجديد، بعيدًا عن الأعذار والمبررات التي فقدت مشروعيتها. 

     وعلى وزارة التربية والتعليم أن تضطلع بمسؤولياتها في مراقبة هذه الرسوم ووضع سقوف ملزمة لها.

     إن عودة الاستقرار المالي لن يكون لها أثر فعلي في حياة الناس ما لم يواكبها التزام تجاري صادق، وضبط رقابي فعّال، وضغط مجتمعي منظم.

     وعلى المواطن ألا يكون مجرد متلقٍ سلبي، بل رقيب حقيقي على الأسواق، وشريك واعٍ في حماية لقمة عيشه.

     "فالـدولة تضبط، والتاجـر يلتزم، والمجتـمع يراقب؛ تلك هي المعادلة الوحيدة لضمان استقرار السوق واستعادة الثقة".

أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي

عـدن: 5. أغسطس. 2025م

.