الـمدارس الخـاصة "من يوقـف هذا الجـشع الممنهـج؟"
في الوقـت الذي يتنفس فيه الشارع اليمني الصعداء إثر الانخفاض الملحوظ في سعر صرف الريال السعودي -والذي هبط من أكثر من 750 ريالًا يمنيًا إلى نحو 390 ريال- تفاجأ أولياء الأمور بعدم تجاوب المدارس الخاصة مع هذا التحسّن، واستمرارها في فرض رسوم دراسية باهظة وكأن شيئًا لم يتغير.
لقـد اعتادت بعض إدارات المدارس الخاصة على التعامل مع التعليم كسلعة لا تختلف كثيرًا عن أي منتج تجاري يُباع في السوق، مستغلةً غياب الرقابة الحكومية وضعف مؤسسات الدولة، ومتجاهلة تمامًا الوضع المعيشي القاسي الذي يمر به أغلب المواطنين.
قـبل عـام؛
كانت هذه المدارس تُبرّر رفع رسومها بشكل كبير بسبب ارتفاع سعر الصرف، وتزعم أن التكاليف التشغيلية قد تضاعفت، أمـا اليـوم، وقد عاد الريال السعودي إلى ما كان عليه سابقًا (بـل وأقـل من ذلك بكثير)، فـإن تلك المبررات ذهبت أدراج الرياح، ولم نرَ أي تخفيض، ولا حتى مراجعة للزيادات السابقة، وكأن الآلية التي يرتفع بها السعر هي طريـق باتجـاه واحـد فـقط.
إن ما يحـدث لا يمـكن وصفه إلا بأنه استـغلال صارخ للأسر اليمنية التي تكدّ وتكافح في سبيل تعليم أبنائها، وتحاول أن تصنع مستقبلًا أفضل لهم في وطن تتلاشى فيه فرص العيش الكريم؛ فما ذنب تلك الأسر التي راهنت على التعليم، لتجد نفسها محاصرة برسوم تثقل كاهلها عامًا بعد عام، بلا منـطق أو عـدالة؟
نحـن نتحـدث؛
عـن تعليم يُفترض أنه رسالة، يتحول في واقع الحال إلى تجارة، وعن مؤسسات يُفترض أنها حاضنة تربوية، تتعامل بمنطق الجباية والربح السريع، بينما تغيب عنها القيم التربوية، والمسؤولية المجتمعية، وأبسط مبادئ الشفافية.
وهـنا نقٓف أمـام عٓدة تساؤلات مشروعٓة:
- لماذا لم يتم حتى اللحظة إصدار تعميم رسمي من وزارة التربية والتعليم يُلزم المدارس الخاصة بتعديل رسومها بما يتناسب مع المتغيرات الاقتصادية؟
- لماذا لا تكون هناك لائحة رسمية واضحة تحدد سقفًا للرسوم وفق معايير شفافة معلنة؟
- كيف يمكن أن نسمي هذه المدارس "مؤسسات تعليمية" وهي لا تلتزم بأي منطق مهني أو أخلاقي في تعاملها مع أولياء الأمور؟
إن مـن حـق؛
كل أب وأم أن يحـلم بتعليم جيد لأبنائه، دون أن يُفرض عليه دفع ما لا يقدر عليه، أو أن يُجبر على الاختيار بين تعليم أولاده أو توفير لقمة عيشهم.
ومن واجـب الـدولة أن تحمي هذا الحـق، وأن تضع حدًا لجشعٍ يتوارى خلف لافتات براقة وشعارات خادعة.
خـتامًا، نقـول:
التعلـيم؛ ليس تجارة موسمية تُسعّر على هوى السوق، بل هو رسالة ومسؤولية وطنية وأخلاقية، وإن لم تتحرك الجهات الرسمية لوقف هذا العبث، فإن الأمر لن يقف عند حدود التعليم، بل سيمتد إلى كل جوانب الحياة، وسنجد أنفسنا أمام مجتمع منهك بلا تعليم ولا كرامة ولا أمل.
أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي
مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية
عـدن: 2. أغسطس. 2025م
.