حينما يكون الزعيم السياسي وطنيا حكيما ..


بروفيسور / قاسم المحبشي ..  

وأنا اقرأ في تاريخ العلاقة بين السياسة والحضارة استوقفتني اسطورة التنين ورمزيته السياسة البالغة الأهمية إذ إن  التنين الصينيّ كما نعلم  كائن مختلق، ليس له وجود فعلي تماماً كطائر الفينيق، أو البراق الطائر. يعود تاريخ ولادته اختلاقه إلى أكثر من خمسة آلاف سنة كما تقول الحكاية. حين كانت الصين مجموعة قبائل متناحرة، ولكلّ قبيلة طوطمها الخاص بها، إلى أن جاء الإمبراطور الأصفر “خْوَانْغْ تي” هو المؤسس الحقيقي للإمبراطورية الصينية في عام 221 قبل الميلاد، وكان ملكاً لمقاطعة تشين قبل أن يوحد الصين ويعلن نفسه أول إمبراطور (هوانغ‑تي) في التاريخ الصيني الذي لم يرض عن التناحر بين القبائل الصفراء الذي يستنزف طاقاتها فقام بتوحيدها تحت رايته، ولم يكن يريد أن يظهر تفوق قبيلته على القبائل الأخرى فما كان منه إلا أن أنجب من مخيلته الحكيمة الساعية  إلى توحيد أشتات القبائل الصينية هذا الكائن الخرافي الذي لا يثير ضغينة أحد. نحته الزعيم السياسي الإمبراطور خْوَانْغْ تي من طواطم القبائل الواقعة تحت سلطانه الطوطم الجديد الذي ترى فيه كلّ قبيلة عضواً من أعضاء طوطمها الأثير . فجاء التنين بمثابة تسوية ذكيّة تاريخية وسياسية ودينية، يقوم بوظيفة الخيط الذي ينتظم حبات السبحة. أخذ مكوناته من طواطم البر والبحر والجو. كائن هجين وفعّال -لأنّه امتصّ نقمة المهزومين من خلال إشراكهم في تلقيح الرمز- مركّب من كائنات مختلفة، فرأسه رأس جمل أمّا قرونه فقرون الأيائل، وأذناه أذنا ثور، جسمه جسم أفعى أما جلده فمن حراشف السمك وكذلك ذيله، قوائمه قوائم نمر أمّا مخالبه فمخالب نسر وكلّ أسرة صينية تحلم بأن يكون مصير ولدها كمصير التنين أو ألـ ” لونغ ” أي أن يكون مستقبله زاهراً قادراً بفكره الليّن وجسده المرن على تدجين الصعاب أياً كان مصدرها....