العرب لا يمرون بالهزيمة بل يمرون بالعار
هذه واحدة من أقسى وأسوأ لحظات العرب، بل واحدة من أسوأ وأشنع مآسيهم التاريخية.
من غز.ة إلى لبنان إلى سوريا إلى اليمن، تمتد الذراع العسكرية الإسرا.ئيلية المتغطرسة وتضرب بكل وحشية وبدون رادع ولا رقيب أو حسيب كل ما تود ضربه في هذه البلدان سواءً كان هدفاً عسكرياً أو مدنياً أو بنية تحتية. وهذا ليس سوى الخبر السيء فقط.
الخبر الأسوأ هو أن إسرا.ئيل لم تكتفِ بضرب أربعة بلدان عربية، وتدمير بناها التحتية ومنازل شعوبها، بل تقوم بقضم ثلاثة بلدان، تقوم بنهش والتهام أراضٍ شاسعة من فل-سطين ولبنان وسوريا على مرأى من المجتمع الدولي الذي ظل وما يزال يتفرج عليها بصمت مطبق وكأنها تلتهم كعكة أشترتها بحُرِّ مالها من المخبز! هل قلت "المجتمع الدولي" فقط؟! ليس وحده طبعاً، المجتمعات العربية والإسلامية أيضاً، شعوباً وحكومات، التزمت الصمت المطبق نفسه، بل إن صمتها كان مطبقاً أكثر وموقفها كان أسوأ وأخْزَى.
إسرا.ئيل لم تنتصر فقط، بل تجاوزت النصر إلى التوسع. هذه لحظة تشبه بالنسبة لتل،أبيف انتصارها التاريخي الكبير في حزيران ١٩٦٧ كما تشبه بالنسبة للعرب "نكسة ٦٧" إن لم تكن أقسى وأشد. في ٦٧، لم تنتصر تل أ،بيب فقط، بل توسعت بنهش والتهام أراض شاسعة من فل،سطين ومصر وسوريا ولبنان والأردن. وهذا ما فعلته وتفعله اليوم: لم تكتف بالنصر بل تقوم بالتوسع والتهام أراض جديدة من فل،سطين ولبنان وسوريا وفكرت بل وأعلنت وسعت فعلياً لاقتطاع أراضٍ مصرية رغم عدم انخراط القاهرة في مواجهة عسكرية معها.
إسرا،ئيل لا تمر الآن فقط بنشوة النصر على عدة جبهات، بل تمر بلحظة شَرَه (و"هَوَارَة" تاريخيّة) لنهش أكبر قدر ممكن من أجساد عدة بلدان عربية. وقد حققت فعلا العديد من طموحاتها الإستراتيجية في اقتطاع أراضٍ شاسعة وهامة ظلت لعقود تراود مخيلتها التوسعية. والمحزن المبكي أكثر من هذا أن دولة الإحتلال لم تعد تحتاج لبذل جهد في اقتطاع الأجزاء التي تود اقتطاعها من أجساد هذه البلدان بل تترك أبناءها يفعلون ذلك بسكاكينهم وسواطيرهم هم فيما تكتفي هي بمد يدها في الأخير وتناول ما تود التهامه من أجساد هذه البلدان الممزقة بأيدي أبنائها (أحداث سوريا اليوم، مثلاً).
وماذا عن العرب.. بماذا يمرون يا ترى؟ كعادتهم، لا يمرون أبداً بالنصر ولا يمرون أيضاً بالهزيمة، لا يشعرون على الإطلاق بمرارة الهزيمة حتى لو أنهزموا إلى آخر قطرة ماء في وجوههم. وهذا مبرر ومفهوم في واقع الأمر: فالعرب يمرون منذ زمن طويل بالعار، العار فقط، حتى بدا أنهم أدمنوه! وقد أصبحوا يتسابقون فيه هذه الأيام بشغف كما لو كان رياضتهم المفضلة!
(نبيل سبيع)