في تفكيك البديهات ....
بروفيسور / قاسم المحبشي ...
في حياة كل جماعة ثقافية ثمة مسلمات وبديهيات يتوارثها الناس بوصفها حقائقا مفروغا منها ولا تستدعي الشك والتساؤل بشأنها؛ الفلسفة وحدها هي تخضعها للفحص والتمحيص بوضعها موضع الشك والتفكير والتساؤل الدائم..
فمعظم الناس لديهم ساعات لقياس الزمن وجلهم يعرفون وحدات قياس الوقت بالثواني والدقائق والساعات والأيام والأسابيع والأشهر والأعوام والعقود والقرون ولكم لم يخطر ببالهم السؤال عن ما هو الزمن ؟..بحسب الفيلسوف الجزائري أغسطين الذي قال: إذا ما سألني احد عن الزمن؟ فسوف اقول له أنني اعرفه حق المعرفة وسوف أحدثه عن وحدات قياسه..
لكن لو ألح علي وطلب مني تعريف لمعنى الزمن بما هو كذلك ؟ فسوف أتلعثم ولم اجد جوابا. وقس على ذلك معظم الاشياء التي نعيشها ونمارسها كل يوم في حياتنا ( السياسية، التربية، التعليم ، العبادة، التفكير، الانفعال، الحب، الحزن، الغضب، القلق، الخوف، الموت، ..الخ) حينما نسأل انفسنا عن معناها لن نجد الجواب الذي يشبع المعنى...
فالمؤرخ قد يمضي جل وقته في كتابة الحوادث والوقائع والأحداث التاريخية لكنه قلما يتسأل عن ما هو التاريخ ؟ وهكذا هو حال معظم المشتغلين بالتخصصات العلمية ( الفيزياء والرياضيات والكيمياء والهندسة والفلك والأحياء وغيرها) لا يهتمون بالسؤال الفلسفي عن معنى ما يمارسونه؟..
فعالم الرياضيات هو الشخص الذي لا يعرف عن ماذا يتحدث! كما وصفه برتراند راسل. وربما لهذا السبب تحتاج العلوم التخصصية إلى الفلسفة
لتضئ معناها كما تحتاج الفلسفة إلى العلوم الطبيعية والاجتماعية لتصلب عودها! فالعلوم بدون فلسفة عماء والفلسفة بدون علوم خواء! ..
وهكذا تتكامل العلوم والفلسفة في بناء المعرفة الإنسانية. فكل منهما يحتاج إلى الآخر ليحقق أهدافه ويساهم في فهم أعمق للعالم والإنسان...