يا ناس أحبه وأحب أسمع سواليفه

كتب| أحلام القبيلي
قيل إن قيس بن الملوح كان جالسًا عند النار وحده، فجاءته ليلى فجلس يحدّثها، فلم يشعر إلا والنار قد أمسكت بثوبه فاحترق بعضه.
فلما سُئل: «لم لم تطفئ النار؟» قال: «والله ما شعرت بها، فقد كنت مشغولًا بحديثها عن كل شيء».
فالحديث مع المحبوب لذّة لا تضاهيها ولا تساويها لذّة. وهي إحدى علامات الحب الصادقة، فهو حديث لا يُملّ، مهما طال وتكرر.
وقد جلس النبي محمد ﷺ يستمع إلى حديث عائشة رضي الله عنها، وهي تحدثه عن إحدى عشرة امرأة تعاهدن ألا يكتمن عن أزواجهن شيئًا، وهو ما يُعرف بحديث أم زرع.
ورغم مشاغل النبي ﷺ، استمع لحديثها حتى النهاية، وأجابها بكلام جميل يُسعد قلبها.
ولما سأل الله سبحانه وتعالى نبيه موسى عليه السلام قائلًا:
(وما تلك بيمينك يا موسى)؟
لم يكتفِ بقوله «عصا»، بل أطال الحديث فقال:
(هي عصاي أتوكّأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى).
ويظل الحبيب والمحبوب يبحثان عن مواضيع للحديث، حتى وإن كانت عديمة الفائدة أو لا علاقة لها بالموضوع، فقط ليطول وقت الكلام ويستمتعا به.
رأيتُ الحبيب لا يُملّ حديثه
ولا ينفع المشنوء أن يتودد
ولولا هواكِ لما بقيتُ لحظةً
أُصغي لغير حديثكِ المتفننِ
وحديث الحبيب يخفف الآلام، ويُزيل الهموم والأحزان،
بل يدخلك في حالة من السعادة والفرح اللامتناهية.
ومن الطرائف أن جدتي –رحمها الله– كانت إذا فتحنا لها قناة تابعة لحزب لا تحبه، تقول:
«غلقوا، راسي يوجعني!»
وإذا كانت قناة لحزب تحبه، تقول:
«خلّوه، يقرا!»
وقالوا:
«الحديث مع من نحب، راحةٌ لا يفهمها إلا من جرّب الانتظار طويلًا.»
«يكفيني من هذا العالم صوتك وحديثك، وسؤال بسيط: كيف كان يومك؟»
«يا ناس أحبه وأحب أسمع سواليفه، صوته يشتّت هموم عايش فيها.»
وكلما كانت جذوة الحب مستعرة، كان الحديث أطول وأكثر متعة.
وهذا ما نلاحظه في بداية العلاقات، حيث يظل الأحباب على تواصل دائم، حتى إن الحبيب قد يصحو على صوت محبوبه وينام على صوته، ولا يهمه محتوى الحديث أو مضمونه، فهو ممتع ولذيذ حتى لو كان قاسيًا أو جافًا.
«قُل لي حاجة، أي حاجة.
قُل بحبك، قُل كرهتك.
قُل عايزك، قُل بعتك، بس قُل أي حاجة!
قولي، انفعيلي، لا توقفي مثل المسمار!»
ومن أبرز علامات برود العلاقات وفتورها قلة الحديث أو انعدامه، حيث يقل التواصل اللفظي، ويصبح تبادل الكلام مقتصرًا على الضروريات، هذا إن لم ينعدم تمامًا. وهو ما يسمى في العلاقات الزوجية بـ «الخرس الزوجي»، وقد يؤدي في النهاية إلى الطلاق.
ختاما:
من أحب أن يكلمه الله فليقرأ القرآن، ومن أحب أن يكلم الله فعليه بالصلاة.