حين تتحول المواقف إلى كراهية: عن العلاقة بين المؤتمر والإصلاح
في خضم المشهد السياسي اليمني المعقد، تبرز ظاهرة مؤسفة ومثيرة للقلق: حجم الكراهية المتبادلة التي تلبست بعض المنتسبين لحزبي المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، ما يثير القلق أكثر هو أن هذه الكراهية لا تُبنى على أسس سياسية متزنة أو خلافات فكرية ناضجة، بل تبدو وكأنها تجذّرت عند لحظة زمنية واحدة، توقفت فيها عقول بعض الأشخاص عن التفكير، وكأن الزمن تجمد عند صراع أو خيانة أو موقف، فبَنوا عليه نظرتهم الكاملة للأمور..
ليس من المنطقي – ولا من العدل – أن يُترك تحديد العلاقة بين الحزبين اليوم لأولئك العالقين في ماضٍ مضطرب، غابت عنه الحكمة، وسادت فيه ردود الأفعال والانفعالات، إن أخطر ما يمكن أن يحدث في السياسة، هو أن تتحول الذاكرة الانتقائية إلى قاعدة لبناء المستقبل، وأن يُستبدل الحوار بالتحريض، والتنافس بالكراهية، والنقد بالتشهير..
لقد شهد اليمن فترات نادرة من التعاون بين المؤتمر والإصلاح، وكان أبرزها حينما اجتمع الحكماء والعقلاء من الطرفين على المصلحة الوطنية العليا، في تلك اللحظات، تحققت إنجازات ملموسة في مسارات الاستقرار والتنمية، وأُغلقت أبواب الفتن، واحتُرمت قواعد اللعبة السياسية، هذه التجربة تثبت أن التلاقي بين التيارات الوطنية، مهما كانت تبايناتها، أمر ممكن بل وضروري، إذا ما تغلبت روح المسؤولية على نوازع الثأر السياسي..
المؤسف أن كثيراً من الأصوات التي تتصدر المشهد اليوم، سواء في مواقع التواصل أو في بعض المنابر الحزبية، لا تسعى إلى بناء جسور جديدة، بل إلى تعميق الهوة وإعادة تدوير الخلافات، هناك من يرى في كل يد ممدودة خيانة، وفي كل مبادرة للتقارب مؤامرة، وهذه نظرة لا تصنع مستقبلاً، بل تعيدنا إلى دوامات الماضي التي دفع فيها الوطن ثمناً باهظاً..
العقلاء من الطرفين لا يزالون موجودين، وهم وحدهم من يملكون القدرة على ترميم العلاقة، لا على أساس مصلحة حزبية ضيقة، بل من منطلق وطني شامل، لن يكون هناك استقرار حقيقي في اليمن دون تفاهمات جادة بين القوى الكبرى، وعلى رأسها المؤتمر والإصلاح،أما أولئك الذين يتغذون على الكراهية، فهم في الحقيقة جزء من المشكلة لا من الحل، ولا يصح أن يكونوا صناع قرار أو مؤثرين في رسم العلاقات الوطنية..
إن اللحظة الراهنة تتطلب شجاعة في مواجهة الذات، لا غرقاً في خصومات الماضي، فهل يملك الطرفان الجرأة الكافية للعودة إلى منطق العقلاء، بدلاً من الانجرار وراء مواقف لا تخدم إلا أعداء الوطن؟.