خطاب المرشد : الدوغما ، حينما تسحب السياسة الى فوهتها....

خرج من مخبئه ليقول كلامًا غير مفهوم ، فارغٍ من أي محتوى واقعي ، أو معبرٍ عما تحتاجه أمته في هذه اللحظة التاريخية من شفافية ، ومنطق ، ومسئولية تتعهد بترميم أوجاعها وإصلاح حالها . 
كلام تحركه دوجما نائمة في فراش وثير ، إذا تحركت فإنما لتمد الحرس الثوري بحاجته من القنابل ليوزعها بمعرفته ، وتستخدم حسب الحاجة .
ولا أعتقد أن الشعوب الايرانية ، التي عانت من أشد اللحظات قساوة في تاريخها المعاصر ، ستفهم مثل هذا الخطاب الملغوم بالخطيئة التي جردتها من تاريخيتها لتجعل منها جغرافية محاصرة بعصبية مغتصِبة لبلاد تعودت أن تكون من أكثر بلاد الأرض إرتباطًا بالحياة . كما لا أعتقد أنه سَيُنظر إليه على أنه خطاب لرفع المعنويات ، كما قد يتبادر إلى الذهن ، لسبب واحد وهو أن المعنويات في مثل هذه الظروف لا تُرفع بمثل هكذا خطاب منفصل عن الواقع ، يكتفي بالملاسنة ، وقلب الحقائق كتعبير عن افتقار شديد للثقة في الشعب الذي ينتظر أن يسمع حقيقة ما تعرض له بلده من كارثة . 
الشعوب التي يتشكل منها هذا البلد الكبير هي شعوب حية ، ظلت ترتحل من جيل إلى جيل محمولة بتاريخ عريق ، ثم تعاقبت عليها أزمنة القمع .. وكان أسوأها الزمن الذي قمعت فيه بهراوةِ أيديولوجيةٍ كهنوتية خرافية ، وسُحقت شخصيتها بمدافع آيات الله التي ارتدت إلى صدر الأمة بذخيرتها المشبعة بذرات الحق الالهي في الحكم ، واختزلت في شخصية المرشد ونظامه التراتبي الذي كفن البلاد والعباد في عصبية ضيقة ، ودفعت أثمانًا ضخمة مقابل أوهام التمدد الثوري الذي أشعل الفتن والخراب والانقسامات والحروب في البلدان التي اخترقها بمواليه ، ممن خانوا أوطانهم ، ورفعوا راية العصبية الطائفية فوق سارية طاعة المرشد بدلًا من الراية المحمولة بحلم الوطن وكرامة مواطنيه . 
كان بإمكانه أن يترك للسياسة مساحة كافية للمناورة ، فالجميع سيقبل من السياسة أن تعلن للعالم أن المشروع النووي "لم يصب بالأضرار التي تمنعه من الاستمرار" ، كما أخذت تكرر في سياقات من السهل إدراك ثقل الخيبة فيها ، لأنها لو كانت قالت الحقيقة لفقدت أهم ورقة في التفاوض ، فالتسليم بتدمير المشروع يترك النظام مكشوفًا بلا أوراق ولا فرص ولا مساومات ، ولا يمكن لأي سياسة ، مهما كانت خائبة ، أن لا تلجأ إلى مثل هذه المناورات ، وخاصة حينما لا تتوفر للخصم الدلائل الدامغة ليدافع عما يدعيه .
في مثل هذه الظروف التي ينفصل فيها القائد عن الواقع فإنه يسحب السياسة إلى المنطقة التي تتلاشى فيها الحدود مع الايديولوجيا الدوجمائية ، وهي المنطقة الأكثر مناسبة للتضليل والخداع ، وتحويل الناس إلى مجرد قطيع لا يسمح لهم بالتفكير .
كان الحوثي ممن انتظروا هذا الخطاب التضليلي ليواصلوا معاركهم في تخريب أوطانهم ، لكنهم هذه المرة لن يكونوا سوى قارعي طبول في مأتمِ مشروعٍ تم تجهيزه للدفن ، وفي أحسن الأحوال "كمن يطرق فوق تابوتٍ ليوقظ من فيه" ، بتعبير الروائي تشيخوف . 
لن يلبث أن ينقشع غبار الحرب ليدرك هؤلاء ، إن كانت لهم "قلوب يعقلون بها أو أذان يسمعون بها" ، أن المشروع الذي اصطفوا تحت رايته ، ودمروا أوطانهم لخدمته لم يكن سوى خرافة ألقاها التاريخ في الطريق ليلتقطها أولئك الذين لم تؤهلهم الحياة لشيء إلا للندب والبكاء على أمر اعتقدوا أنهم أضاعوه ، وأن لا حياة لهم إلا بأن يقاتلوا من أجله الى يوم يبعثون ، وكانوا " الأخسرين أعمالًا ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"....