22 مايو ..دروس من وهم الدولة إلى واقع الهيمنة
في الوقت الذي يحاول فيه البعض تلميع صورة نظام صالح في الجنوب ، فان العودة إلى معطيات الواقع والتاريخ تكشف الوجه الحقيقي لذلك النظام الذي لم يكن مشروع دولة بل منظومة لاعادة الهيمنة والاستحواذ على مقدرات الجنوب واراضيه وهويته.
فقد سعى نظام صنعاء الى تقديم نفسه للعالم كنظام يحترم القانون ويحافظ على ممتلكات الدولة والمواطن غير ان الواقع كان على النقيض تماما حيث جرت عملية استباحة ممنهجة للاراضي بعد حرب 94 عبر مخططات سكنية وتجارية خصصت للنخب المتنفذة وسجلت باسماء وهمية او موالية للنظام، خاصة في مدينة عدن ومحافظات الجنوب.
هذا النهب لم يكن مجرد فساد اداري او تجاوزات فردية بل كان جزءا من مشروع سياسي يهدف لتغيير التركيبة السكانية والهوية الثقافية واحكام القبضة على مقدراته ضمن سياسة اجتثاث واقصاء واسعة.
وسبق هذا المسار حملات اعتقال واغتيال طالت خيرة القيادات الجنوبية خاصة المنتمين للحزب الاشتراكي اليمني سواء في صنعاء او في المحافظات الأخرى بالإضافة إلى قمع متواصل بعد حرب 94 لقيادات ونشطاء الحراك السلمي الجنوبي الذين طالبوا بالعدالة والحقوق وتصحيح مسار الوحدة .
المفارقة ان من وقعوا على وثيقة العهد والاتفاق والذين كان من الممكن ان يكونوا شركاء حقيقيين في بناء دولة موحدة قوية تم خذلانهم واقصاؤهم ليحل محلهم خطاب تكفيري واقصائي مهد لاجتياح الجنوب تحت غطاء ديني وسياسي مدعوم بفتاوى شرعنت القمع والاستباحة.
ولم يتوقف ذلك المشروع عند هذا الحد بل ان القوى التي شاركت في إسقاط نظام صالح عام 2011 كانت نفسها جزءا من منظومة الهيمنة والنهب لحرب 94 اما المليشيات التي اسسها صالح نفسه والمعروفة اليوم بـ انصار الله فقد انهت المشهد باغتياله لتغلق دائرة الصراع التي كان هو من اطلق شرارتها.
لقد ارتكب صالح خطا تاريخيا حين فرط بدولة قائمة في الجنوب كانت تملك مؤسساتها وجيشها واقتصادها ومقومات نهوضها واضاع بذلك فرصة تاريخية كان يمكن ان تؤسس ليمن موحد قوي وعادل يقوم على الشراكة لا على الغلبة.
اليوم وبعد كل ما حدث على من يتحكم بالمشهد السياسي ان يدرك ان الحفاظ على المؤسسات والشعوب هو اساس الشرعية وان الكراسي لا تصنع دولا بل تبنى الدول بالارادة الوطنية واحترام الكرامة والعدالة في تقاسم السلطة والثروة.
وان التعاطي مع الخلافات من منطلق مناطقي او عنصري ليس سوى طريق مختصر نحو الانقسام والفوضى وسيدفع بالجميع نحو الهاوية.
ونرى ان انعقاد اللقاء التنسيقي الاول بين الهيئة الوطنية للاعلام الجنوبي واعلام المقاومة الوطنية وتشكيل لجان تنسيقية مشتركة خطوة مهمة قد تمهد لمشروع سياسي موحد يقف في وجه الاخطاء الكارثية التي رافقت مرحلة ما بعد الوحدة اليمنية واجتياح نظام صنعاء للجنوب.
وبرائي يكتسب هذا اللقاء اهمية خاصة في ظل تنامي الحاجة لتقارب وطني حقيقي حيث إن التنسيق الثنائي بين القوى الجنوبية والمقاومة الوطنية يمكن ان يشكل ركيزة ثالثة في مسار بناء مشروع وطني ينهي حالة الشتات ويمهد ليمن جديد خال من هيمنة المليشيات الحوثية.
لقد اثبتت سنوات الحرب الطويلة ان كثيرا من القوى السياسية في الشمال لم تكن معنية بالحسم بقدر ما كانت مستفيدة من اطالة امد الحرب بل ان بعضها ذهب إلى حد الخيانة بتسليم السلاح والمواقع وتسهيل تمدد الحوثيين.
اخيرا ان المرحلة اليوم تتطلب وضوحا سياسيا وارادة شراكة حقيقية تعيد الاعتبار لمفهوم الدولة وتؤسس لتحالف وطني صلب قادر على مواجهة المشروع الحوثي، واستعادة القرار اليمني المستقل.