الريـال اليمـني يحـتضر

 لا يحتاج المواطـن اليمني إلى تقارير اقتصادية معقدة، ليدرك أن عملته الوطنية تنهار أمام عينيه؛ فتراجع الريال اليمني لم يعد مجرد رقم في سوق الصرف، بل كارثة إنسانية تُترجم كل يوم إلى جوع، وفقر، وحرمان، وتآكل شامل للطبقة المتوسطة.

     ومـع اسـتمرار الصراع وتعدد مراكز القرار الإقتصادي، يبدو أن هناك من يتعامل مع العملة الوطنية كأنها ورقة بلا قيمة، تُطبع بلا غطاء، وتُترك فريسة سهلة للمضاربين والمستفيدين من الفوضى.

     لـم يعد مقـبولًا الحديث عن "أزمة اقتصادية"، بينما تعيش البلاد على وقع انقسام نقدي كارثي بين صنعاء وعدن؛ وإن بقاء مؤسستين بنكيتين تتنازعان صلاحيات إدارة العملة هو جريمة اقتصادية بحق الشعب، والسكوت عنها خيانة، إذ لا يمكن إنقاذ الريال طالما استمر طباعة النقود دون غطاء في الجنوب، وحجز السيولة وتكديسها في الشمال، وكأن المواطن مجرد وسيلة ضغط في لعبة تصفية الحسابات السياسية.

     مـن المـسؤول عن ترك سوق الصرف يتحول إلى غابة للمضاربين وتجار الأزمات؟ كيف يمكن لبلد يعيش أزمة إنسانية أن يسمح بتعدد أسعار الصرف، وبتفشي مئات محلات وشركات الصرافة التي تعمل في ظل غياب الرقابة، بل وأحيانًا بحمايتها؟ أين الدولة؟ أين البنك المركزي؟ أين أدوات الضبط؟ كل يوم تأخير في فرض سيطرة حقيقية على سوق الصرف، وهذا يعني المزيد من الجوع والانهيار.

     مـن المعـيب، أن بلدًا يمتلك موانئ، وحقول نفط، وموارد سيادية، يعتمد على المنح الخارجية لدفع الرواتب أو استيراد القمح؛ لماذا تُنهب الإيرادات ولا تذهب إلى الخزينة العامة؟ لماذا تتضاعف النفقات العسكرية والسياسية بينما المواطن يموت قهرًا؟

     وفي حقيقية الأمر، إن إنقاذ العملة يبدأ بقطع يد الفساد لا بالهروب نحو طباعة نقود جديدة.

     مـا قـيمة الريـال اليـمني، إذا كان لا يغـطي احتياجات البلاد من الدواء أو القمح أو الوقود؟ ما دام الإقتصاد لا ينتج، فإن العملة ستبقى مجرد ورقة تتدهور قيمتها في كل ساعة.

     المـطلوب الآن؛ ثورة اقتصادية تبدأ من دعم الزراعة، وتنتهي بإحياء الصناعة، وليس الاكتفاء بمؤتمرات شكلية أو خطط وُلدت ميتة.

     العـملة ليست - فقط - اقتصادًا، بل ثـقة، والمواطن اليمني، فقد ثقته بكل ما هو رسمي؛ لا يصدق الأرقام، ولا يثق بالتصريحات، ولا يعوّل على وعود لا تُنفذ إذا لم تعلن السلطات، في الشمال والجنوب، عن خطوات عملية وجادة لاستعادة الثقة بالريال، " فإن القادم أخطر، والانهيار لن يرحم أحدًا ".

     إن استمرار هذا العـبث بالعـملة الوطنية " جريمة اقتصادية إنسانية "، يجب أن تتوقـف فـورًا، وإن الريال اليمني لا يحتاج إلى لجان ولا شعارات، بل إلى قرار وطني شجاع يوقف الفساد، ويوحد المؤسسات، ويعيد الاعتبار للاقتصاد الحقيقي.

     فـإما أن تُنقذ العـملة، أو تنهار الدولة، ومعـها ما تبـقى من كرامـة الـناس.

أ. مشارك د. هـاني بن محمد القاسمي

مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية

عـدن: 30. أبريل . 2025م.