عدن .. اثر المتغيرات الديمغرافية على هوية المدينة وهيبة القانون الماضي والحاضر
لطالما كانت عدن مدينة للتنوع والانفتاح، حيث ساهمت التغيرات الديمغرافية عبر التاريخ في تشكيل هويتها الثقافية، السياسية، والاقتصادية لكن الفارق بين الماضي والحاضر يكمن في طبيعة هذه التغيرات ومدى انسجامها مع القانون والنظام العام، قبل الاستقلال ورغم التنوع الديمغرافي كان للقانون هيبته وكانت مؤسسات الدولة قادرة على ضبط ايقاع الحياة مما جعل عدن مركزا تجاريا وإداريا متقدما، أما اليوم فإن التحولات الديمغرافية غير المنضبطة مقرونة بضعف سلطة الدولة افرزت واقعا مختلفا، حيث لم يعد القانون هو الحكم، بل سادت الفوضى والمحسوبية.
قبل استقلال جنوب اليمن في 1967، كانت عدن مدينة تحتضن الجميع لكن وفق قوانين تحكم التعايش، حيث خضع القادمون إليها لمعايير صارمة تفرض عليهم احترام النظام الإداري والمالي الذي كان يدار بكفاءة لم يكن هناك تمييز على اساس الاصل بل كانت الكفاءة والمهنية هما الاساس في التوظيف، ما جعل الميناء، البنوك، والإدارة العامة نماذج ناجحة لنظام إداري حديث ومتطور.
كان التنوع الديمغرافي في تلك الفترة مصدر قوة، حيث ساهمت مختلف الجاليات القادمة من الهند، فرس، مصر ، الصومال، بريطانيا، واليمنيين من مختلف المناطق والمحافظات، في ازدهار عدن اقتصاديا وثقافيا، لكن ضمن إطار احترام القانون وسلطة المؤسسات.
بعد الاستقلال ورغم النوايا الحسنة لبناء دولة مستقلة إلا ان بعض الممارسات التي تلت خروج الاستعمار ساهمت في اضعاف المؤسسات، حيث تم استبدال الكفاءات الإدارية بنظام الولاءات السياسية والمناطقية ، كما ان موجات النزوح المتتالية دون وجود رؤية واضحة لاستيعابها ضمن اطار قانوني منظم، ساهمت في تفكيك النسيج الإداري الذي كان قائمًا.
ومع الحروب والصراعات السياسية التي مرت بها عدن لاحقا ازداد تاثير التغير الديمغرافي بشكل سلبي، حيث أصبح من حمل السلاح لنقارعة الاستعمار معيارا لشغل المناصب بغدعد الاستقلال الوطني ، وتم تهميش دور المؤسسات لصالح قوى الامر الواقع ، لم يعد الميناء والمرافق المالية نموذجا للإدارة الرشيدة كما في السابق، بل باتت المصالح الحزبية تطغى على المصلحة العامة للشعب ، ما أدى إلى تراجع الدور الاقتصادي لعدن وتدهور الخدمات الأساسية وتدهور الميناء والمدينة العالمية التي كانت تشغلها عدن .
مماسبق وتمت الاشارة اليه تؤكد ، ليست القوة العسكرية او الانتماء السياسي او القبلي والمتاطقي هو ما يصنع الدولة، بل الكفاءة والمؤهلات العلمية هي الأساس في بناء مؤسسات قادرة على النهوض بأي مجتمع ،وان تعيين الأشخاص بناء على الولاءات السياسية والحزبية والمناطقية بدلا من الكفاءة تؤدب إلى انهيار الأنظمة الإدارية ، وتضعف القانون حيث لم يعد المعيار هو القدرة على الإدارة، بل من يملك النفوذ والسلاح.
ان اعادة الاعتبار لعدن كمركز اقتصادي وثقافي يتطلب العودة إلى الأسس التي نجحت بها في الماضي:
1. إعادة فرض القانون وهيبة الدولة بحيث يكون الجميع تحت سقف واحد من العدالة والمساواة.
2. اصلاح المؤسسات الادارية باسنادها إلى اصحاب الخبرة والكفاءة، وليس لمن يمتلك القوة.
3. تنظيم التغير الديمغرافي عبر سياسات تضمن استيعاب الوافدين ضمن اطار قانوني يحمي هوية عدن وتوازنها الاجتماعي.
4. استعادة دور الميناء والمؤسسات المالية كرافعة أساسية للنهوض بالاقتصاد، من خلال إدارة حديثة وشفافة.
ختاما عدن اليوم ليست عدن الأمس، لكن بامكانها ان تستعيد دورها التاريخي إذا تم تصحيح المسار. لا يمكن بناء دولة حديثة عبر الفوضى والمحاصصة، بل من خلال دولة مؤسسات يكون القانون فيها هو الحكم الاول والاخير ، وما تحتاجه عدن اليوم ليس المزيد من الصراعات، بل رؤية وطنية تعيد لها هيبتها ومكانتها كمدينة مزدهرة اقتصادياا وثقافياا، كما كانت دائما مدينة عالمية .