المستشفيات الخاصة.. مقابر الأحياء وذبح علني للمواطن!

في هذا البلد، لم يعد المرض مجرد ابتلاء من الله، بل أصبح حكمًا بالإعدام على الفقراء، ليس لأن العلاج غير متوفر، بل لأن تكلفته باتت مستحيلة. قبل أيام، تلقيت اتصالًا من أخي الكبير: "أمي مريضة جدًا، تعال فورًا!" هرعت إليها مسرعًا، وعندما وصلت إلى المستشفى الخاص الذي كانت تُعالج فيه، وجدت مشهدًا لا يوصف إلا بالجريمة!

أمي بين الحياة والموت في قسم الإنعاش، وأخي منذ أسبوع يدفع مبالغ طائلة لإنقاذها، وعندما قررت أن أتحمل المسؤولية، بدأت الأرقام تتصاعد بشكل مخيف. في ثلاثة أيام فقط، أنفقت مليون ونصف ريال، وما زالت الفواتير تتوالى!

الغرفة برسوم يومية باهظة

الأدوية بأسعار خيالية رغم أنها تُباع في الخارج بأقل من نصف السعر

الفحوصات تُطلب بشكل متكرر وكأنها تجارة لا علاج

طلبات المستشفى لا تتوقف، وكأننا في مزاد علني على حياة المريض

اليوم، وبعد ثلاثة أيام فقط، أنفقت مبلغًا يعادل دخل عائلة كاملة لشهور، والمأساة أن العلاج لم ينتهِ، والعدّاد لا يزال مفتوحًا! إذا استمر الحال بهذا الشكل، فكم سأدفع خلال أسبوع آخر؟ ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة ملايين؟ من أين لي بهذه المبالغ الخيالية؟ وكيف يصمد المواطن البسيط أمام هذا الجحيم؟

السؤال الصادم: ماذا عن الفقراء؟!

أنا محظوظ بوجود عمل، ولدي أبناء عمومتي وأفراد من قبيلتي ساندوني، لكن ماذا عن ذلك العامل الذي بالكاد يوفر قوت يومه؟ ماذا عن الموظف الذي لم يتسلم راتبه منذ أشهر؟ ماذا عن الأب الذي يرى ابنه يموت أمام عينيه، وهو عاجز عن دفع كلفة علاجه؟ هل يُترك ليتوسل؟ أم يُجبر على السرقة؟ أم يترك ابنه يموت قهرًا؟

إذا كانت المستشفيات الحكومية عاجزة عن تقديم الخدمة، وإذا كانت المستشفيات الخاصة تحولت إلى مقاصل مالية، فأين وزارة الصحة؟ أين دورها في تحديد أسعار عادلة للعلاج؟ كيف تُمنح هذه المستشفيات التراخيص دون أي رقابة؟ هل أصبح المواطن مجرد سلعة تباع وتشترى بين التجار، حتى في لحظات ضعفه ومرضه؟

الحكومة: غياب تام في وجه الكارثة!

نحن نعيش في دولة لا توفر رواتب، ولا تسيطر على الأسعار، ولا تقدم خدمات صحية، ثم تتوقع من المواطن أن يعيش بصمت! هل تريدون من الناس أن يموتوا دون أن يتكلموا؟ أم أنكم تدفعونهم نحو الجرائم والسرقة ليوفروا تكاليف العلاج؟

هذه ليست مستشفيات، هذه مسالخ بشرية، والمريض فيها مجرد فرصة استثمارية تُستنزف حتى الرمق الأخير. وحين ينتهي ماله، ينتهي كل شيء!

إلى متى هذا الجحيم؟

نحن لا نطلب المستحيل، نطالب فقط بأبسط حقوقنا: حقنا في العلاج بأسعار منطقية، وحقنا في رقابة حكومية حقيقية على هذه المستشفيات الجشعة!

إذا استمرت هذه الكارثة دون تدخل، فليعلم الجميع أن الغضب قادم، والناس لن يسكتوا طويلًا أمام هذا الظلم القاتل!

جلال باشافعي 

ناشط نقابي وسياسي جنوبي