اليمن التعيس: بلدٌ تعجُّ به المناصب ويفتقر إلى المسؤولية!....

 يتكاثر المسؤولون في اليمن كما يتكاثر الجراد في مواسم الخراب. رؤساء، وزراء،نواب وزراء ، وكلاء ، قادة، مشرفون، مستشارون ، وكل منهم يضع لنفسه لقبا يوحي بالعظمة والمسؤولية، بينما الواقع ينطق بغير ذلك تماما...

نعم ، هذا البلد العجيب الذي يفيض بمناصب الحكم والإدارة، لكنه أكثر دول العالم فقرا ومعاناة، كأنما اجتمعت فيه كل متناقضات الكون ليتحول إلى نكتة مأساوية لم تضحك أحدا قط..

لكن لو كان ازدهار البلدان يُقاس بعدد المسؤولين فيها، لكانت اليمن اليوم في مصاف الدول العظمى. 
على إن المفارقة أن اليمن تحولت إلى "أرض بلا دولة"، و"حكومة بلا وطن"، و"شعب بلا أمل". فيما من المفترض أن يكون المسؤولون في أي دولة هم عصب التنمية، ووقود التطور، وجنود النهضة، لكن في اليمن، هم مجرد قنوات تسريب للمال العام، وأدوات لنهب الثروات، وعقول متحجرة تجوب العالم دون أن تتعلم شيئا...

طبعا سافروا إلى أوروبا، رأوا كيف تعمل المؤسسات، كيف تُحترم القوانين، كيف تُبنى الدول، ثم عادوا إلى اليمن وهم أكثر فسادا وجهلا! 
بل لقد شاهدوا الحكومات الإلكترونية، فأسسوا حكومات وهمية؛ شاهدوا العدل، فمارسوا الظلم؛ رأوا الطرقات النظيفة، فتركوا شوارعنا مطمورةً بالقاذورات والمطبات والحفر...

والشاهد أن لا شيء يزدهر في اليمن أكثر من الفساد، فهو القانون الأوحد، والعقيدة الراسخة، والمبدأ الذي لا يخضع للمساومة...

نعم ، المسؤول في اليمن لا يحتاج إلى شهادة جامعية، بل يحتاج إلى مهارة "النهب والتبرير"؛ يسرق، ثم يُلقي محاضرة عن الوطنية، ينهب، ثم يخطب عن النزاهة يحتكر الموارد، ثم يتحدث عن العدالة الاجتماعية...

أما المواطن، فهو الحلقة الأضعف دائما. يُطلب منه الصبر بينما المسؤول يبني الفلل الفاخرة، يُطلب منه التقشف بينما تُصرف الملايين في سفريات وترف لا نهاية له..

نعم ، هكذا في اليمن، الفقير وحده هو من يُسأل عن الوطن، بينما المسؤول يبيعه بثمن بخس في كل صفقة مشبوهة...

ولعل التاريخ مليء بالعبر، لكن من يقرأ؟ اليمنيون عاشوا تحت حكم أئمة مستبدين، ثم انقلبوا عليهم ليجدوا أنفسهم تحت حكم مستبدين جدد. 
رحل الأئمة، وبقيت الإمامية في العقول. تغيرت الأنظمة، وبقي الفساد هو النظام الحقيقي. توالت الانقلابات، والحروب، والتجارب، ولم يخرج اليمن إلا أكثر تشرذما وفقرا...

وإذ في الدول المحترمة، يتغير المسؤولون وفقا للنجاح والفشل، لكن في اليمن، فإنهم مثل الأحجار القديمة على رقعة شطرنجٍ مهترئة، يتبادلون الأدوار، لكن النتيجة واحدة: خرابٌ بلا نهاية...

في الحقيقة، لا عجب أن يظل اليمن أفقر دولة في العالم رغم أنه من أغنى البلدان بثرواته الطبيعية.بل لا عجب أن يعاني شعبه الجوع بينما مسؤولوه يتنقلون بين أرقى الفنادق. كما لا عجب أن تظل قوانينه حبرا على ورق، ومسؤولوه مجرد ناهبين محترفين يرتدون بدلات رسمية...

لكن الأعجب من ذلك كله أن هذا الشعب، رغم كل هذه المآسي، ما زال يؤمن بأن الفرج قريب! وما زال يعلق آماله على وعود كاذبة، ويصدق شعارات المسؤولين، رغم أن التجربة أثبتت أن كل مسؤول يمني، بمجرد أن يتذوّق طعم السلطة، يُصاب بفقدان الذاكرة الوطنية ويصبح مجرد تاجر في سوق الخراب الكبير...

وللحديث بقية... ما دام الفساد هو السيد المطلق في أرض السعيدة التي لم تعد سعيدة!..