طبقية المشيخة: تعددية سياسية، وحدة طبقية!
تتقلب التحالفات السياسية في اليمن كما يتقلب الطقس، لكن هناك شيء واحد يبقى ثابتا لا يتغير: المشايخ وأسرهم. فهم يختلفون ظاهريا في الانتماء السياسي، فتجد شيخا مؤتمريا وآخر إصلاحيا وثالثا اشتراكيا، ورابعا من قيادات المنظمات، لكن الحقيقة أنهم جميعا أبناء عمومة في الطبقية.
نعم ،المشايخ لا يخسرون أبدا، فهم يوزعون الأدوار، تماما كما توزع شركات الاحتكار الأسواق فيما بينها، ليضمنوا بقاءهم في المشهد السياسي والاقتصادي، جاثمين على صدور الناس، وناهبين لكل فرصة متاحة.
نعم هكذا يبدو المشهد السياسي في اليمن وكأنه ساحة صراع بين أحزاب وتيارات مختلفة، لكن تحت السطح، تتكشف لعبة توزيع الأدوار. تجد شيخا يرفع راية المؤتمر، وآخر يتلو شعارات الإصلاح، وثالثا يدعي الاشتراكية، في حين أن أحد أبنائهم يعمل في منظمة دولية تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
بمعنى أدق هكذا يضمنون أن يكون لهم موطئ قدم في كل اتجاه، بغض النظر عن المنتصر أو المهزوم. إنها استراتيجية "التعددية تحت الطلب"، فيما يكون الانتماء السياسي مجرد بطاقة عبور إلى النفوذ والسلطة.
أما عندما تأتي المناصب السياسية ، فإنها تُوزع بينهم كغنائم حرب، اذ لا يهم اسم الحزب الذي يمثلونه، فالعائلة أولا، والانتماء الطبقي فوق كل اعتبار.
والسلام أن تتغير الحكومات، وتنقلب التحالفات، لكن المشايخ باقون، متجذرون في الدولة كما يتجذر الفساد في إداراتها.
لكن اللعبة لا تتوقف عند توزيع الأدوار السياسية، بل تتجاوز ذلك إلى توطيد المصالح عبر المصاهرة. فحين يتزوج شيخٌ من بنت شيخ، فاعلم أن العائلة قد قررت توحيد المصالح أكثر فأكثر، لأن النفوذ بحاجة إلى حماية داخلية قبل أي شيء آخر. والأمر لا يتوقف عند المشايخ القبليين، بل يمتد إلى مشايخ السادة، فكما يتزوج شيخٌ من بنت شيخ، تجد سيدا يتزوج من بنت شيخ أيضا، في توزيع صارخ لطبقية السلطة والنفوذ.
على إن هذه الزيجات ليست مجرد علاقات عائلية، بل عقود احتكار طويلة الأمد، تؤمن للأسر الكبيرة استمرار هيمنتها لعقود أخرى، فيما يولد الأبناء ليجدوا أنفسهم ورثة للسلطة بحكم الدم، لا بحكم الكفاءة.
أما المناصب السياسية والاقتصادية، فهي توزيع محكم للأسر النافذة. فإذا أصبح أحدهم وزيرا، فابنه رجل أعمال، وابن عمه مدير بنك، وأخوه سفير، وزوج أخته مسؤولا عن إحدى المنظمات المانحة. نعم ،هكذا تصبح الدولة في قبضة مجموعة عائلات، تتوارث المناصب كما تتوارث الأراضي والعقارات.
لنخلص إلى أن الحديث عن الكفاءة مجرد نكتة في هذا المشهد، فالذي يولد شيخا سيظل شيخا، والذي يولد مواطنا سيظل مستعبدا بين سندان العوز ومطرقة المشايخ.
والحال أن هذه المنظومة الطبقية ليست مجرد صدفة تاريخية، بل هي نظام متكامل في اليمن يحافظ على بقائه عبر السياسة والمصاهرة والاقتصاد. بل إنها سلطة لا ترى في اليمنيين مواطنين، بل ترى فيهم رعايا، يدورون في فلك مشايخهم إلى الأبد.
وهكذا، يظل المواطن العادي يتقلب بين نيران الأزمات بينما المشايخ يتبادلون الأدوار، يبدلون شعاراتهم، ويستمرون في التحكم بمصير البلاد وكأنها ضيعة خاصة.
وبالتأكيد فإن اليمن ليس فقيرا، لكنه مثقل بمشايخه الذين يتقاسمون كل شيء، حتى التعددية السياسية نفسها!