دروس في قلة الأدب السياسي

في خبر صادم للعقلية اليمنية المتكلسة، قدمت وزيرة النقل الأسترالية استقالتها لأنها أزعجت سائقها بمشاوير شخصية لا علاقة لها بالوزارة. 

وبينما هي تقدم اعتذارها المسموع بكل أدب واحترام، كان وزراؤنا الميامين في الحكومة اليمنية يتقنون فن الإزعاج بأعلى مستوياته، أزعجونا بالفساد، وأرهقونا بالفشل، بل وأغرقونا في وحل الأزمات، ومع ذلك لا أثر لأي شعور بالذنب أو ندم. بل على العكس، لو سنحت لهم الفرصة لطلبوا منا نحن تقديم استقالتنا من الحياة، وتركهم يعبثون كما يشاؤون.

تخيلوا مستوى الحساسية والرُقي، تخيلوا حجم الشعور بالمسؤولية، مقابل ما يفعله وزراؤنا الأشاوس، فالإزعاج عندهم ليس مجرد عادة، بل استراتيجية استفزاز يومي، باللعب على مشاعر الشعب واشغاله على مدار الساعة، ومن كل الاتجاهات. العملة؟ في الحضيض، الكهرباء؟ مقطوعة، الغاز؟ غير متوفر، المرتبات؟ متوقفة، أما التعليم .. فحدث ولا حرج.

ومع ذلك، لا أحد يشعر بتأنيب ضمير، ولا يفكر أحدهم ولو للحظة بتقديم استقالته احترامًا لمعاناة هذا الشعب المطحون.

لو كنا نعيش في دولة محترمة، كنا سنرى وزير المالية يقدم استقالته لأن المواطن لا يستطيع شراء كيس طحين، ووزير الصحة يرحل لأنه لم يتبقَ في المستشفيات سوى الجدران، ووزير الكهرباء يتوارى خجلًا لأن "الشواحن" أصبحت جزءًا من الديكور الرسمي لكل بيت، ولكن في دولتنا العجيبة، لا يستقيل أحد، مهما بلغ فشله، لأن مفهومهم للمنصب يشبه "الوقف الخيري" الذي لا يمكن التنازل عنه حتى قيام الساعة.

إلا الاستقالة ليست في قاموسهم. بل إن المسؤول اليمني إذا شعر بالذنب يومًا، فإنه لا يستقيل، بل يستقل طائرة خاصة إلى الإمارات أو السعودية، مدفوعة من أموال الشعب الذي "أزعجه" بمطالبته بالخدمات الأساسية.

في النهاية، نحن أمام مشهدين متناقضين:

وزيرة غربية تستقيل احترامًا لسائقها، ومسؤولون يمنيون متمسكون بمناصبهم، رغم أنهم تسببوا في أذية شعب بأكمله لدرجة أن الحياة نفسها باتت غير قابلة للاستمرار.

تصوروا، لو كان لدينا حكومة محترمة تمتلك ذرة من المسؤولية، كنا سنشهد مواكب استقالات متتالية، حتى أن رئيس الوزراء نفسه ربما كان سيُبادر إلى تقديم استقالة جماعية باسم الطاقم الوزاري كله، مرفقة برسالة اعتذار: "نحن آسفون لأننا أزعجناكم بجوعكم، وبانقطاع رواتبكم، وبالفساد المستشري، وبالطرق المحفّرة، وبالانقطاع الأبدي للكهرباء.. لم يكن كل ذلك مقصودًا، ولكننا تورطنا في إدارة بلد لم نعرف كيف نديره، لذا نرجو قبول استقالتنا بلا رجعة. 

الله المستعان