إعطني القات وغني
في اليمن، لا تحتاج إلى بوصلة لتعرف اتجاه قبلة الصلاة، فقط انظر إلى وجوه الناس، إن كانت مُسترخية وعليها أثر التأمل الفلسفي العميق، فاعلم أن جلسة القات قد بدأت أو أنها على وشك.
القات في بلادنا ليس مجرد نبات شيطاني فحسب، إنه مؤسسة اجتماعية قائمة بحد ذاتها، وبرنامج يومي، وميزانية خاصة، وربما وزارة غير معلنة في الحكومة الشرعية.
منذ أن تفتح الشمس عينيها بالصلاة عالنبي، يبدأ المواطن اليمني بالتفكير في أمرين، الأول كيف يكسب رضا معدته الخاوية قبل التخزينة ولو بعلبة زبادي وقرطاس أبو ولد؟ ثانيا كيف يؤمن قيمة "العلف المسموم" وبأي طريقة كانت، حلال أم حرام "لا يهم" والأهم من ذلك أنه قد أمنها ولسان حاله يقول "رزق العيال على ربهم ورزق القات يحول به الشيطان".
ولأن اليمني بطبعه وكما يرى نفسه "عبقري بالفطرة" فإنه يوفق بين الاثنين بطريقة لا يعرفها خبراء الاقتصاد. وبمجرد أن يحصل على "الزَبطَة"، يدخل في عالمه الموازي، حيث تصبح الحوارات أعمق، والنكات أظرف، والأحلام قابلة للتحقيق (في المشمش).
الحكومات المحترمة تتحدث عن التنمية، لكن اليمنيين لديهم تنمية من نوع آخر، ألا وهي تنمية الفك العلوي من كثرة "الإجترار"، وتنمية العلاقات الاجتماعية من خلال "مجالس الحشوش على عباد الله" وتنمية الأحلام الوردية لمشاريع لن تُنفذ ولو بعد حين، وفي بعض الأحيان يصبح القات سبباً في اختراع خطط اقتصادية خرافية، حيث يمكن أن يستبدل وجبة الغداء الرئيسية ليحصل على "عودين قات".
رغم أن البعض قد يظن أن القات مجرد وسيلة للترفيه، إلا أنه يؤدي أحيانًا إلى اكتشافات علمية! فقد يجلس شخص في مجلس قات لأكثر من أربع ساعات متواصلة ويخترع مشروعًا حيويا لنهضة البلاد كمشروع نافورة المحافظ، وبأقل التكاليف، لكنه ينساه بمجرد انتهاء التخزينة، كما أنه يعتبر وسيلة طبيعية لتخفيف الضغط، حيث يمكنك أن تناقش أي موضوع بجدية تامة، ثم تنسى كل شيء في اليوم التالي.
حتى السياسة اليمنية الحمقاء لها علاقة بملعون الوالدين، فالمفاوضات الكبرى تُجرى في مجالس القات، والقرارات المصيرية تؤخذ بعد "قرحة القات" ولهذا السبب تجد بعض الاجتماعات السياسية المصيرية تأخذ وقتًا طويلًا من التداول والمشاورة، لأن النقاشات تتحول بقدرة قادر إلى جلسة فلسفية "مخضرية" حول الكون وفوائد الزنجبيل وطلاق الممثلات وفوائد الزواج المبكر ونكاح القاصرات، وينتهي النقاش بغسيل الأموال، وغسيل الكلى.
القات ليس مجرد ورق أخضر، إنه أسلوب حياة، ميزانية يومية، وسبب رئيسي لازدحام الأسواق بعد الظهر، وبينما يرى البعض أنه عقبة أمام التنمية، يراه آخرون وسيلة للحفاظ على التراث الاجتماعي.
فهل نحن بحاجة إلى بديل؟ أم أن القات سيظل رفيق اليمني مدى الحياة وعشبة السعادة الوطنية؟!
الله المستعان