حين يرقص المجتمع على جثة الأخلاق
في زاوية إحدى الشوارع التجارية المكتظة كالعادة، وعلى أنغام لا تسمعها سوى هي وقلبها، قررت فتاة مراهقة أن تراقص الدنيا قليلاً. كان الشارع مزدحماً بالمتفرجين الصامتين، أولئك الذين يتقنون فن التحديق في الأشياء دون التحرك، لكنهم يبدعون حين يأتي وقت القيل والقال.
لم تكن تلك الفتاة تعرف أنها في مجتمعٍ يرى في الرقص سلوكاً مشبوهاً، وفي الفرح جريمة تستحق العقاب. فبينما كانت تتمايل بخفة من مقطورة سيارتها كأنها على موعد مع خشبة مسرح، كان أحد المارة يُشعل داخله شعلة الغضب المقدس. فجأة، وبدون سابق إنذار، قرر "الفارس المنقذ" التدخل لإنقاذ الأخلاق من براثن هذا الرقص الدخيل على مجتمعنا الغارق في المثالية، فكانت عقوبته فورية وقاسية، وكأن القانون قد استقال وترك هذا الشاب الغيور نائباً عنه.
ما هي إلا ساعات، وانتشر الخبر كالنار في هشيم مواقع التواصل. انقسم الناس إلى معسكرين: معسكر يرون في تصرف الشاب بطولة تستحق الإشادة، ومعسكر آخر يندب الدولة الغائبة والقانون المهمل. لكن المفارقة العجيبة أن كلا الفريقين لم يتحدث عن الفتاة نفسها. لم يسأل أحدهم: لماذا رقصت؟ ما الذي أرادت قوله؟
هل كانت تلك الخطوات رسالة صامتة لفراغ قاتل ينهش أيامها؟ أم أنها صرخة حرة في وجه مجتمع لا يترك مساحة للتنفس؟ لا أحد يعلم، ولا أحد يهتم. المهم أن الحديث الآن يدور عن "أخلاقيات المجتمع" و"الحدود المسموح بها" و"غياب الوازع الديني".
أما الفارس الذي عاقبها، فقد حصل على بطولته المجانية، بُني له تمثال افتراضي من التصفيق الحار، واعتبره البعض رمزاً للدفاع عن الفضيلة، متناسين أن الفضيلة لا تُحمى بالاعتداء.
المفارقة العجيبة والغريبة أن المجتمع الذي غضب من تمايلها المرتجف على سطح السيارة، هو نفسه الذي يرقص بجنون على أنقاض الإنسانية. مجتمع يرى في الرقص جريمة، لكنه يغض الطرف عن الجرائم الحقيقية التي تملأ شوارعه، بما فيها هذا الشارع سيئ السمعة.
وفي النهاية، بقيت الفتاة وحيدة، تحاول أن تلملم أشلاء قلبها الذي كُسر مرتين: مرة من السخرية، ومرة من الاعتداء. أما المجتمع؟ فقد عاد كعادته، ينتظر فضيحة جديدة وبإخراج جديد ليرقص حولها، ولو على جثة الضحية.