لعبة المحاصصة والسعي وراء الكرسي

علي محمد سيقلي

يبدو أن التاريخ قرر أن يعيد نفسه بنفس الكوميديا السوداء التي نالت من كرامتنا، وكأن الجنوب مكتوب عليه أن يظل "الدجاجة التي تبيض ذهبا" يتقاسمها الجميع، بينما الشعب يحلم بثمن بيضة وربع دجاجة. 

بالأمس عُين السفير مصطفى النعمان نائباً لوزير الخارجية، وصفق الجميع لهذا الإنجاز العظيم والأسطوري لوزير كان يلعن "أم الشرعية" التي يعين اليوم نائبا فيها، (ليل نهار). ومن باب الإنصاف فإن النعمان شخصية دبلوماسية شمالية فذة لا يشق لها غبار مدخنة، تربّت في مدرسة الخبث السياسي الميكافيلي لعبدالكريم الإرياني، بعباءته الأنيقة وعصاه السحرية التي تُحوّل الفراغ إلى "إنجاز وطني". والحق يقال أن النعمان دبلوماسي محنك "يلعب بالبيضة والحجر". ولا يمكن لأحد منا أن ينكر أن معالي السفير وعلى الصعيد الشخصي رجل خلوق ومهذب، وما لا تعلمونه بالمقابل أنه حتى الحلوى المسمومة تأتي مغلفة بورق براق لامع يسلب القلب قبل العين.

المحاصصة اليمنية هي عدالة فضفاضة مضحوك عليها بأمر الراعي، يحصل فيها الجنوب على نصف الكعكة بالتمام والكمال، لكن المفزع في الأمر هو أن الكعكة الجنوبية غالباً ما تكون محشوة بالهواء، مع رشة من الوهم وتزييف الواقع.

 الجنوبيون يُعينون كوزراء ونواب ومسؤولين، لكن بشرط أن يكون ولاؤهم للمنصب ولا شيء غير المنصب، أي بما معناه حرفيا "الكرسي وحشواته" وما عداه ومن باب العلم بالشيء فأنت محسوب على الجنوب رقما صفريا تافها بلا هوية، وبشرح أدق أنهم يسوقون لنا وجوها جنوبية محسوبة زورا على الجنوب، "إلا من رحم ربي"، ولاءها للوحدة مع الشيطان وبقاء الحال كما هو عليه، للعودة بنا إلى باب اليمن. 

لدرجة أننا نتساءل هل لدى الشريك "الانتقالي الجنوبي" لجنة متخصصة في اختيار الأشخاص الذين يؤمنون بصدق تقرير المصير واستعادة الدولة الجنوبية، أم أن الأمر يتم عن طريق قرعة بين أسماء فرضت على الجنوب من قبل الراعي إياه وبأسماء جنوبية؟

المؤسف له أننا أصبحنا نرى أسماءً تتكرر في المشهد السياسي، وكأنها جزء من حملة إعلانية لماركة فاشلة. الوزير الجنوبي وفي الوزارات السيادية على وجه الخصوص هو وزير جنوبي "بالاسم فقط" يُعيّن ويصفق له إعلام الطرف الشمالي بحرارة، بينما نائب شمالي يُعين سرا بلا ضوضاء ولا ضجيج، بيده مفاتيح وأسرار اللعبة ليُبقي الأمور تحت السيطرة، وفي نهاية المشهد، يظل الجنوب في خانة "خارج نطاق الخدمة إلى حين ميسرة".

نفس المحاصصة الغبية تلك تُذكرنا باتفاقيات 1990، عندما دخل الجنوب الوحدة المشؤومة وهو مثقل بشخصيات شمالية تتسلل إلى المناصب الجنوبية كالنمل في بيت السكر. والنتيجة؟ جنوباً مشلولاً، وشمالاً متضخماً إلى حد الثمالة. 

وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نقول أن وزارات "الشرعية" بشقيها الآن تشبه مسابقة "الكرسي الدوار"، حيث الكل يركض ركض الوحوش حول الكرسي حتى يؤذن له أن يجلس بأدب واحترام ليقول ما يملى عليه، وعندما تتوقف عصا السايس، نجد أن الكرسي قد اختفى باختفاء ممثل الكومبارس.  

في المحصلة إذا كان الشريكان مقتنعين بأن هذا النهج سيستمر بلا حساب، نقول لهم: "شكر الله سعيكم"، لقد أثبتم أن السياسة ليست سوى مسرحية سخيفة، الجنوب فيها هو الشعب الذي يدفع اليوم ثمن غباء سبعة رؤساء ولا نستثني منهم "ابن محترم".

وسلامتكم،