مولدوا هرهرة والمجيء من اللا شيء..!

مولدوا هرهرة والمجيء من اللا شيء..!

منبر الأخبار

 

سامي الشاطبي

ما بين "يموتون غرباء" لمحمد عبد الولي و"من لا شيء" لعادل هرهرة قصة مغلفة بالحنين الى بلد الأب اليمني تارة والى بلد الأم الاثيوبية تارة، في توهان وصراع مرير بين هويتي الأب اليمني وهوية الام الاثيوبية.
ففي حين رصد عبد الولي في روايته يموتون غرباء قصة عبده سعيد اليمني المهاجر الضائع في اثيوبيا والذي انطلاقا من بقالته الصغيرة يقضي حياتها في مطاردة النساء، رصد عادل هرهرة انسانا اخر لم يقضى حياته كما عبده سعيد في الداخل الاثيوبي، بل انتقل من بلد الى اخر في بحث عن الهوية المفقودة دون ان يصل اليها..!
تحاول رواية "من لا شيء" ان تمسك بالخيط الرابط بين جيلين من اليمنيين ابناء المهجر الاثيوبي في اطار سيرة روائية يجسدها البطل "أحمد هرهرة" كأحد ابناء المهجر. 
هذه الرواية والتي اتوقع بان تصدر في نسختها العربية وتنضم بصدورها الى قائمة السرديات التي ترصد بكثير من التمحيص والتدقيق الغائب والمسكوت عنه عن أحوال أبناء المهجر الافريقي –الاثيوبي – تحديداً تكشف بكثير من الشجاعة والجرأة 
تسلط الضوء على شخصية الكاتب بلغة سردية عن عادل هرهرة ..والذي ولد في اديس ابابا في العام 1962م عن ام اثيوبية واب يمني..لا تظنوا بان عادل هرهرة هو محور الرواية فالكاتب يتعمد ان لا يجعله كذلك مركزا على وقائع واحداث لشخصيات اخرى كلها تدخل ضمن ألم الهجرة ووجع الفقد ..
ان كل شخصيات "من لا شيء" هي في مرموزيتها صورة للكاتب..فوضعه لبطل القصة جانبا لا يعني بانه اهمله بل بانه يتناوله من خلال الاخرين ..فكل معاناة للاخر تجد اجزاء لها في عادل هرهرة..كل لحظة ألم تجدها في تلك الشخصية وكل واقعة حزينة تجدها مغروسة في قلب هرهرة .. 
المهجر مر..وأمر منه ان يتفتح الانسان اليمني المولود في ارض المهجر وعن ام من بلد الهجرة ليجد نفسه في اسرة مفككة لا تعكس فقط حال تفكك اليمن وتشرذمه بل ما تتعرض له اثيوبيا من تحركات سياسية واجتماعية مضطربة.
في هذه الاجواء نشاء عادل هرهرة ..لم جراح التفكك الاسري بانامله الصغيرة ولكن جرح التفكك لم يندمل حتى انفك جرح اخر..لقد توفي في العام ٩٦٧ توفي والده بسبب التليف الكبدي. 
هل ماتت اليمن –بمرموزيته الاب- في خاطر الكاتب عادل هرهرة ..لم يبدو الامر كذلك فمن اعتاد على الاصابة بالجروح تقوى وبات صلبا ولعل هرهرة تصلب دون ان يفقد مشاعره..فها هي يسرد بكثير من الشجاعة والجرأة التحاقه لدراسة الاديان ..في بداية السبعينيات وفي حومة انشغاله بالدراسة يفنك جرحا اخر ..لقد  بدد احد اقاربه ثروة والده وبضربة واحدة اختفى..
من اعتاد على انفكاك الجروح تصلب وهرهرة سريعا لم انفكاك جرح تبدد الثروة وتابع حياته الدراسية ..حياة مليئة بالشجن ..بالألم ..بالغربة ..بالانتقال من ارض الى اخرى..و..بالسجون..وفي كل كل مكان يرصد بكثير من الجرأة والتي لا نجدها لدى الكثير من كتاب السيرة الروائية الوقائع والاحداث.
وينتقل الى اليمن ليكمل دراسته الثانوية في تعز ومنها الى الجنوب ...ومن الجنوب الى مكة ومن مكة الى الولايات المتحدة ومن ثم العودة الى اليمن..
توحي عودته الى اليمن ارض والده وتزوجه بل وعمله في احدى الشركات النفطية بانه قطع حالة الترحال والتنقل وقرر خلع هوية الأم بكل ما تحمله من ثقافة مغايرة لهوية الاب والاستقرار في اليمن، لكن صفة "المولد" والتي صبغ بها ابناء المهجر اليمني في اثيوبيا كتعبير عنصري لم تمنحه المجال لترسيخ هوية والده في كيانه ...فقرر المغادرة ..
لقد فكت العنصرية جرحا جديدا في روح هرهرة لكنه لم يستسلم..عاد الى امريكا ..ورغم ما واجه من صعوبات في الاقامة الا انه نجح في الاستقرار في كندا ..لقد استقر مع زوجة وبدين رأى فيه خلاصه ..ولكنه دخل في شباك مشاكل قانونية خلال السعي للحصول على الجوء السياسي في الولايات المتحدة.
في كندا ..رزق بالابناء ..بنتان ..وتابع دراسته حتى تخرج ..وبعد 15 عاما ينفك جرح جديد له ولكن الجرح لم يعد يعني له شيئا ..
ان روح التحدي والاصرار هي كل ما يسود الرواية ..في خلاصة لا تكتف بسرد قصة احد ابناء المهجر اليمني في اثيوبيا بكل ما تحمله من الالم واحزان ..افراح واتراح..مخاطر وتحديات..بل لتؤكد  ان عنوان الرواية " من لاشيء"  مراوغ حقا..مراوغ الى درجة التأكيد بان لا شيء يأت من لا شيء..لان حتى اللاشيء هو شيئ ايضا..والكاتب عادل هرهرة لم يكن لا شيئا ..بل شيئا محسوسا ..قصة مغمسة بالحنين ..الى وطن الأب الضائع في سدم الحرب ووطن الأم المبدد في سدم الظلام !