المهجر ..لاءات الاندماج ولاءات الهوية رواية ميلانين لفتحية دبش ..

المهجر ..لاءات الاندماج ولاءات الهوية  رواية ميلانين لفتحية دبش ..

منبر الأخبار


سامي الشاطبي
انّ السّفر قدر نحمله فينا ويحملنا:
ما بين مد ومد ثمة بحر اسمه البحر الابيض وما بين فكرة وقصة كاتب يقف على رأس السردية مغازلا قلمه في محاولة لتحريك الفكرة ضمن كأس ماء القصة.
ولكن فتحية دبش في روايتها ميلانين والتي صدرت في عام 2019م عن دار ديوان العرب لم تقف بين الفكرة والقصة بل شرعت في الفكرة والتي تمثلها رقية والقصة التي تمثلها هي شخصيا..
 تتداخل حياة الكاتب مع حياة ابطاله تداخلا عجيبا..تتماهى احيانا فمجرد شروع الكاتبة في الفصل الاول البدء في التهيئة لكتابة رواية بطلتها رقية حتى تظهر مشكلات الهجرة ..هجرة الشمال الافريقي الى الجنوب الاوروبي ..وتباعا تظهر شخصية جزء من المكون السردي لحياة الكاتبة بكل ما يفتعله من تجذابات تتعلق بارض المهجر!
تسجل بذاكرتها أحوال الناس وخاصة المهاجرين في فرنسا." بعد الرّبيع العربي بدأت إفريقيا تتقيّأ أطفالها بلا مواربة ولا خجل."..منهم من يرفضهم ومنهم من يتمسك بهوية مقابل الرفض..تعايش بدا حذرا بين الفرنسيين والمهاجرين ..ولكن ما يبدو من خلال اسطر الرواية ليس بالضرورة وان ينتهي بالحذر ايضا!
فباب الرواية الموارب يحمل في داخله الكثير والكثير..!
بقليل من التوضيحات التي بدت غامضة عن قصة حياة رقية تعود الكاتبة الى باريس ..باريس البحث عن الانا في الاخر ...تسكع وتسكع ..تواصل وانقطاع ...ولكنها تكر عائدة الى قارئها ..الى رقية ولكن ..معضلة عدم تعايش او قدرة بعض الفئات على التعايش على الخصوص المسلمين تقف حجرة عثرة امام استمرار الدفق السردي لرقية..
انه الاسلام في اوروبا ..والذي بحسب فتحية- ونتيجة تسليم بعض المسلمين بان العرب هم الوارثين وان الله اصطفاهم خلقوا بينهم وبين الاخر حاجزا..ونتيجة لتفسير بعض النصوص الدينية خلقوا "مترسا" وكأنهم في جبهة حرب!
ها هي بطلتها رقية تعود الى الواجهة ..تنتنقل من مكان لاخر في طريق الاستقرار في ارض المهجر ..ولكن تختفي رقية " لم أتحرّك من مكاني، أجلس كعادتي على طرف من المقعد، وضعت مرفقيّ على الطّاولة، شرعت أر سم دوائرَ وخطوطًا كدائما واكتفيت ككلّ مرّة بمراقبة الحركات و السّكنات." 
لقد تركت الروائية فتحية دبش بطلتها في لحظات انشلالها لمصير من ينتقل الى بلدة اخرى ..تركتها دون معالجة صدمتها .!
وما بين قضائها اياما في باريس ..وعودتها بين الحينة والاخرى لرقية تتداخل القضايا ..ٌقضايا المهاجرين في فرنسا والعوائق التي تحول دون اندماجهم على رأسها بحسب الكاتبة الانتماء العقائدي بكل ما يفرضه من شرائع وقوانين!
لقد اوقعت القارئ في التباس ما بين القصتين ..تركته بين مدي الجنوب الاوربي والشمال الافريقي حائرا ..يبحث عنه من خلال كتب التراث الديني ..ولكن اين في ارض غريبة ..خلعت ثوب الماضي وسلمت للعلمانية.
يكتب احمد رسالة "حبيبتي، نحن لا نفي لاشتراطات خارطة الطّريق، لكنّنا على ضوئها نستدلّ على أقدار نحن نصنعها" ..هو اعتراف ضمني بعجز الغريب عن التعايش في بلد المهجر ..بقبول الاخر..عجز دفع بالروائية الى ان تسكب كأ سًا من الماء طمعًا في إطفاء حرائق العطش،- العطش في رمزيته يشير الى الصدمة من كل ماشاهدت ..صدمة عدم التعايش..العجز عن فهم الدواعي الدينية والتفسيرات التاريخية الخاطئة – "وتغرقني حواسّي في تفاصيل روايتي"
تغرق..مفردة لا تعني بان أبطال روايتها والذين يتجولون على شواطئ جنوب اوروبا وشواطئ شمال افريقيا من دون ان يتوصلوا الى سر الحياة..واي سر وتلك الفئة المهاجرة قد خلقت "متارسا" مقسمة بانها ستحافظ على هويتها الى ابد الابدين!  
حقا .. انّ السّفر قدر نحمله فينا ويحملنا..
للمؤلفة أعمال اخرى سأتناولها في قادم الايام
فتحية دبش
*روائي يمني