الأخطاء الطبية جرائم بلا عقاب

الأخطاء الطبية جرائم بلا عقاب

منبر الأخبار

 

محمد الغباري *

منذ مدة ليست ببعيدة، أبلغ طبيب في مستشفى شهير إحدى النساء أن لديها ورمًا خبيثًا في عينها، وكان يريد استئصاله، لكن وبعد رحلة علاجية بدأت في مصر وانتهت بالهند، تبين أن هناك انسدادًا في الغدة الدمعية فقط،  ومع نهاية العام الذي غادرنا قبل شهر، ودع زميل زوجته، بسبب أن طبيبًا شهيرًا، أفتى كذبًا بعدم وجود مخاطر على صحتها، إذا احتفظت بالجنين، ولكنها غادرت الحياة بسبب تصديقها لهذه الفتوى، وتجاهلها تحذيرات الطبيب المعالج في مصر، من الحمل، لأن ذلك سيؤدي إلى وفاتها. 

 هذا الاسبوع فقدت قريبة لي ابنها، نتيجة كارثة طبية تسبب بها أحد المحسوبين على هذه المهنة، إذ أعطى الطفل أدوية كانت كافية لتدمير مناعته نهائيًا، وعجز من أتوا بعده عن إنقاذ حياته.

إذن، نحن أمام كوارث طبية لم تعد حالة نادرة، أو خطًا طبيًا متوقعًا في أي بلد، وهي في الطريق لأن تتحول إلى ظاهرة، لأنه لم يعد هناك نقابة تقدس حياة الناس، وتعمل على حماية شرف المهنة، كما لا توجد سلطة تشعر بالمسؤولية تجاه مواطنيها، ولأن الكثيرين من أقارب الضحايا لم يتحركوا لمحاسبة هؤلاء الذين يرتكبون جرائم شبه يومية، أمام القضاء رغم سوء حاله أيضًا.

في اليمن اليوم هناك وزيران للصحة؛ أحدهما عينه الحوثيون، وهو خطيب جمعة، ورغم فشله والكوارث الطبية التي تحدث في مناطق سيطرتهم، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء تجاه عمليات القتل التي تتم في المستشفيات والعيادات ، وكذلك نقابة الأطباء يبدو أنها تطبعت بطبع وزير الجماعة المشغول بالضم والسربلة، اما الوزير  الآخر في عدن فكل مهمته، إلى جانب السفريات التي لا تنتهي، عقد ورش العمل، واختلاق المشاكل أمام المسافرين اليمنيين من خلال منحه إحدى المكاتب التجارية حق توثيق التقارير الطبية للمسافرين ، مع   أن مصر التي تستقبل مئات اليمنيين يوميًا لم تطلب هذا الأمر.

في واقعة نادرة، أصدرت محكمة في صنعاء  قبل ايام ، حكمًا أدانت فيه أحد المستشفيات الخاصة، وحملته تكاليف نقل طفل كان ضحية الاخطاء الطبية  للعلاج في الخارج، وبالتزامن مع ذلك بدأت محكمة أخرى النظر في الدعوى المقامة ضد الرئيس السابق للهيئة العليا للأدوية، بسبب منحه ترخيص استيراد أدوية من الهند،  و اتضح  فيما بعد أنها ملوثة، وتسببت في وفاة بعض الأطفال المصابين بالسرطان. 

ووفق ما عرفت من أصدقاء يعملون في القطاع الصحي فإن اليمن  باتت " مكب نفايات” للأدوية، والعيادات تحولت إلى مسالخ هدفها جمع الأموال فقط، وغالبية المختبرات تستخدم محاليل طبية رخيصة، ومالكوها يديرون شبكة من المصالح مع الأطباء. ولهذا لم يعد غريبا ان تجد طبيبًا يامرك أن تذهب لعمل فحوصات مخبرية - حتى وإن لم تكن ضرورية - لدى مختبر معين   لانه في  نهاية الشهر سيرسل إلى ذلك المختبر قائمة بأسماء المرضى الذين احالهم  الى هناك حتى يتسلم عمولته المالية عن ذاك . 

و في ظل هذه الوضعية  واختيار الجهات المعنية في الحكومة والنقابة موقف المتفرج ، يمكننا معرفة أي وضع مأساوي نعيشه، وأي انحدار أخلاقي وصل إليه القطاع الطبي، حتى إنه لم يعد مستنكرًا أن تجد من يقوم بتهريب أدوية مرض السرطان، ونقلها بطريقة تؤدي إلى تلفها، بل ان  هناك من الأطباء من يتعامل مع المهربين ، ويرسل المرضى لشرائها وبأثمان باهظة .

كان أحد الأصدقاء يعمل في الصين، وأخبرني كيف أن بعض تجار الأدوية اليمنيين يأتون إلى هناك وبحوزتهم أشرطة لأنواع محددة من الأدوية غالية الثمن، ويطلبون منه الذهاب معهم إلى مصانع للأدوية، وهناك يبلغون مالك المصنع أنهم يريدون كميات من هذا النوع، ويسلمونه النموذج، وحين يسأل الرجل عن المواصفات والتركيبة الكيماوية، يرد عليه تجار الموت ببساطة: أهم شيء يكون الشكل مطابقًا.

الكوارث تتواصل.  ولم يعد بالامكان الرهان على الجهات الحكومية ، ولا نقابة الاطباء والصيادلة ، وإذا لم يكن هناك تحرك مجتمعي لمواجهة ذلك، فإن أخطاء المتطفلين على الطب، والأدوية المغشوشة والمهربة، ستقتل من اليمنيين أكثر مما تقتل الحرب.

* صحيفة النداء.